الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَوْفُونَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّسُولُ مِنْهُمْ (شَرْحُ الشَّمَائِلِ لِعَلِيٍّ الْقَارِيّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ) (الزَّيْلَعِيُّ الْكِفَايَةُ شَرْحُ الْهِدَايَةِ) .
وَقَدْ اسْتَخْرَجَ مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ هَذِهِ السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ بِضْعَةَ أَحْكَامٍ: أَوَّلًا - رَهْنُ كُلِّ مَالٍ مُتَقَوِّمٌ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الدِّرْعَ الَّذِي رَهَنَهُ النَّبِيُّ كَانَ مُعَدًّا لِلْجِهَادِ فَلِذَلِكَ يَدُلُّ الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ عَلَى جَوَازِ رَهْنِ الْمُصْحَفِ، وَلَا يُقَالُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْمُتَعَسِّفِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الْأَشْيَاءِ الْمُعَدَّةِ لِلطَّاعَةِ. ثَانِيًا - يَجُوزُ الرَّهْنُ فِي حَالٍ السَّفَرِ كَمَا يَجُوزُ أَيْضًا فِي حَالِ الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ الْكَرِيمَ قَدْ رَهَنَ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ حَالَ إقَامَتِهِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَإِنْ يَكُنْ قَدْ وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عِبَارَةُ {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ بَيَانَ جَوَازِ الرَّهْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي حَالِ السَّفَرِ فَقَطْ بَلْ الْمَقْصِدُ ذِكْرُ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ فِي ذَاكَ الْوَقْتِ حَيْثُ كَانَ النَّاسُ يَمِيلُونَ فِي الْغَالِبِ إلَى تَوْفِيقِ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ حِينَمَا يَتَعَذَّرُ تَأْمِينُهُ بِالسَّنَدِ وَالشُّهُودِ، وَقَدْ كَانَ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْأَكْثَرِ فِي حَالِ السَّفَرِ. ثَالِثًا - يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِالْمَرْهُونِ مِنْ الرَّاهِنِ سَوَاءٌ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ أَمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ دِرْعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَقِيَ مَرْهُونًا بَعْدَ وَفَاتِهِ (الْكِفَايَةُ شَرْحُ الْهِدَايَةِ) وَقَدْ صُرِّحَ بِالْأَحَقِّيَّةِ فِي الْمَادَّةِ (٧٢٩) . رَابِعًا - لَا بَأْسَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ شِرَاءَ النَّبِيِّ كَانَ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ. خَامِسًا - لَا بَأْسَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ نَسِيئَةُ اسْتِدَانَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ اللَّائِقُ بِالْإِنْسَانِ الْإِسْرَاعُ بِإِيفَاءِ دَيْنِهِ حَتَّى لَا يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ فَيَمُوتَ مَدِينًا. وَتَقْرِيرُ الرَّسُولِ هُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ إلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَعَامَلُونَ بِالرَّهْنِ وَقَدْ أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ أَنْ بُعِثَ بِالرِّسَالَةِ لَمْ يَمْنَعْ النَّاسَ مِنْ الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ. وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ: قَدْ حَصَلَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الرَّهْنِ.
وَالْقِيَاسُ: مَشْرُوعِيَّةُ الرَّهْنِ ثَابِتَةٌ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَيْ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَهُ طَرَفَانِ: طَرَفُ وُجُوبٍ، وَطَرَفُ اسْتِيفَاءٍ حَيْثُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ أَوَّلًا فِي الذِّمَّةِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ طَرَفُ الْوُجُوبِ، وَثَانِيًا يُسْتَوْفَى ذَلِكَ الْمَالُ وَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ طَرَفُ الِاسْتِيفَاءِ (الْعِنَايَةُ) ، فَكَمَا أَنَّهُ يَتَوَثَّقُ الطَّرَفُ الْمُخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ بِالْكَفَالَةِ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَتَوَثَّقَ طَرَفُ الْمَالِ بِالرَّهْنِ حَتَّى إنَّ جَوَازَ ذَلِكَ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَوُجُوبُ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَسِيلَةً (الْهِدَايَةُ وَشُرُوحُهَا) وَفِي الرَّهْنِ فَائِدَةٌ لِلدَّائِنِ وَالْمَدِينِ مَعًا وَهُوَ كَمَا بَيَّنَّا فِي أَوَائِلِ شَرْحِ الْكَفَالَةِ أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ نَفْعًا لِلدَّائِنِ وَالْمَدِينِ مَعًا كَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الرَّهْنِ نَفْعٌ لِلدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَدِينَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا يَجِدُ مَنْ يُدَايِنُهُ بِلَا رَهْنٍ فَيَتَضَرَّرُ مِنْ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ كَمَا أَنَّ الدَّائِنَ يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute