للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ الْمَادَّةُ شَامِلَةٌ حُكْمَيْنِ وَبَعْضُ الْمَسَائِلِ تَتَفَرَّعُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ.

الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ صَالِحًا لِلْبَيْعِ يَعْنِي مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَمَالًا مُتَقَوِّمًا وَمَعْلُومًا وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ يَجُوزُ رَهْنُهُ.

فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ تُرْهَنُ مُقَابِلَ أَجْنَاسِهَا وَخِلَافَ أَجْنَاسِهَا فَإِذَا رُهِنَتْ مُقَابِلَ جِنْسِهَا وَهَلَكَتْ فَتَهْلَكُ بِالدَّيْنِ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُهَا وَلَا يُنْظَرُ لِجُودَتِهَا (مُنْلَا مِسْكِينٍ) .

مَثَلًا إذَا رَهَنَ شَخْصٌ عِنْدَ آخَرَ خَمْسِينَ كَيْلَةً مِنْ الْحِنْطَةِ الِاعْتِيَادِيَّةِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا وَاسْتَقْرَضَ مُقَابِلَهَا خَمْسِينَ كَيْلَةً مِنْ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ لِأَجْلِ الْبَذْرِ وَبَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا هَلَكَتْ بِيَدِهِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَلَا يُمْكِنُ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَدَّعِيَ بِأَنَّ الْحِنْطَةَ الَّتِي أَقْرَضَهَا هِيَ مِنْ الْجِنْسِ الْجَيِّدِ وَقِيمَتَهَا زَائِدَةٌ وَأَنْ يُطَالِبَ بِزِيَادَةِ حِنْطَةٍ أَوْ زِيَادَةِ دَرَاهِمَ.

فَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ هَذَا صَادِقٌ كَقَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ يَعْنِي يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ كُلَّ مَرْهُونٍ صَالِحٌ لِلْبَيْعِ وَلَكِنْ عَكْسُهَا لَا يَكُونُ صَادِقًا كَقَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبَيْعِ يَكُونُ صَالِحًا لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَشَاعِ وَالْمَشْغُولِ جَائِزٌ وَرَهْنَهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَبَيْعَ الشَّاغِلِ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ جَائِزٌ وَرَهْنَهُ فَاسِدٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كُلِّ هَذَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ مَعَ إنَّهُ إذَا رَهَنَ شَخْصٌ الْحِمْلَ الْمَوْجُودَ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ وَسَلَّمَ الْحَيَوَانَ مَعَ الْحِمْلِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالْحَيَوَانُ يَكُونُ مَرْهُونًا أَيْضًا مَعَ الْحَمْلِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .

الْحُكْمُ الثَّانِي: كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْبَيْعِ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ يَعْنِي يَكُونُ رَهْنُهُ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلًا.

فَإِذَا كَانَ الْمَرْهُونُ مَالًا وَكَانَ مُقَابِلُهُ مَضْمُونًا وَبَعْضُ شَرَائِطِ الْجَوَازِ مَفْقُودًا يَكُونُ الرَّهْنُ فَاسِدًا.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَرْهُونُ مَالًا وَمُقَابِلُهُ مَضْمُونًا يَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .

وَتَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ: أَوَّلًا - إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَرْهُونُ مَالًا كَالْمَيِّتِ وَبَنِي آدَمَ الَّذِي هُوَ حُرٌّ أَوْ كَانَ مَعْدُومًا وَقْتَ الْعَقْدِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمَوَادِّ (٢٠٥ وَ ٢٠٩ وَ ٢١١) أَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ وَالْمَالَ غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ وَغَيْرَ الْمَقْدُورِ التَّسْلِيمِ بَاطِلٌ.

ثَانِيًا - رَهْنُ الدَّيْنِ غَيْرُ جَائِزٍ ابْتِدَاءً (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ) .

قِيلَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ رَهْنَ الدَّيْنِ انْتِهَاءً جَائِزٌ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦٧٠) .

ثَالِثًا - كَمَا أَنَّ رَهْنَ الْعِنَبِ الَّذِي سَيُحَصَّلُ هَذِهِ السَّنَةَ مِنْ الْكَرْمِ أَوْ الْخِرْفَانِ الَّتِي سَتَلِدُهَا الْغَنَمُ بَاطِلٌ كَذَلِكَ رَهْنُ الْمُبَاحَاتِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ كَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ غَيْرَ الْمُحْرَزِ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ وَالْحَطَبَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَيْسَ بِمَالِ أَحَدٍ اُنْظُرْ مَادَّتَيْ (١٢٤٧ و ١٢٤٣) .

رَابِعًا - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَعْلُومًا فَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ.

كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ.

اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (٢٠٠ و ٢١٣) .

بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَعْطَى شَخْصٌ لِآخَرَ (دِرْهَمَيْنِ) قَائِلًا لَهُ: خُذْ مِنْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>