هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فَمَا زَالَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ بَاقِيَيْنِ لَا يَخْرُجُ الرَّهْنُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ. وَمَا زَالَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي مَا لَمْ يُنْقَضْ قَبْضُ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لَا يَدْخُلُ الرَّهْنُ الثَّانِي فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ لَيْسَا رَاضِيَيْنِ أَنْ يُدْخِلَ كِلَا الْمَالَيْنِ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَيَكُونَا مَرْهُونَيْنِ وَإِنَّمَا رَضِيَا بِأَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ فَقَطْ مِنْهُمَا رَهْنًا (الْبَزَّازِيَّةُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الرَّهْنِ) .
وَذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إذَا قُبِضَ الرَّهْنُ الثَّانِي يَكُونُ رَهْنًا أَيْضًا قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ يَبْقَى أَمَانَةً مَحْضَةً.
وَلَكِنْ الْمَجَلَّةُ لَمْ تَقْبَلْ هَذَا الرَّأْيَ.
وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَحَيْثُ إنَّ هَذَا الرَّهْنَ لَمْ يَخْلُصْ بَعْدُ مِنْ كَوْنِهِ رَهْنًا يَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٤١) وَبِالنَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَمِينٌ فِي الرَّهْنِ الثَّانِي فَإِذَا تَلِفَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ يَهْلَكُ أَمَانَةً وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٧٧١) .
وَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا إذَا كَانَ الرَّهْنُ حِنْطَةً وَأُعْطِيَ بَدَلَهَا شَعِيرًا رَهْنًا وَسُلِّمَ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ أَنْ رَدَّ نِصْفَهَا فَقَطْ هَلَكَ فِي يَدِهِ الشَّعِيرَ وَبَقِيَّةَ الْحِنْطَةِ يَسْقُطُ نِصْفُ الدَّيْنِ بِحِصَّةِ الْحِنْطَةِ وَهَلَاكُ الشَّعِيرِ يَكُونُ مَجَّانًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
بِيَدِ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَجْتَمِعَ كِلَا الْمَالَيْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ إذَا رَدَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ لِلرَّاهِنِ فَيَكْتَسِبُ الرَّهْنُ الثَّانِي صِفَةَ كَوْنِهِ رَهْنًا. وَلَكِنْ عَلَى قَوْلٍ: يَجِبُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ الثَّانِي أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ، وَحَيْثُ إنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ فَلَا تَقُومُ يَدُ الْأَمَانَةِ مَقَامَ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالضَّمَانِ. كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٢٦٢) وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ قَاضِي خَانْ هُوَ هَذَا الْقَوْلُ وَنَظَرًا لِلنَّقْلِ الْمُحَرَّرِ فِي الْهَامِشِيِّ فِي الصَّحِيفَةِ الْأُخْرَى يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِي خَانْ قَائِلًا بِذَلِكَ. وَلَكِنْ نَظَرًا لِقَوْلِ آخَرَ لَا يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَعَيْنِ الْأَمَانَةِ وَالْمَضْمُونِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِيهَا وَالسَّابِقُ يَكْفِي عَلَى قَوْلِ (أَبِي السُّعُودِ وَالدُّرَرِ) .
مَثَلًا لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ عِنْدَ دَايِنِهِ سَاعَةً فِي مُقَابِلِ كَذَا دَرَاهِمَ دَيْنِهِ وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَهَا أَتَى بِسَيْفٍ وَقَالَ: خُذْ هَذَا بَدَلَ السَّاعَةِ، وَرَدَّ الْمُرْتَهِنُ السَّاعَةَ لِلرَّاهِنِ وَأَخَذَ السَّيْفَ وَقَبَضَهُ يَكُونُ السَّيْفُ مَرْهُونًا مُقَابِلَ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ وَتَخْرُجُ السَّاعَةُ مِنْ الرَّهْنِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا لَيْسَ لِلْوَاحِدِ أَنْ يُعِيدَ السَّاعَةَ لِلرَّهْنِيَّةِ بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ وَإِذَا هَلَكَ السَّيْفُ يُسْقَطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِهِ. فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ قِرْشٍ وَقِيمَةُ السَّيْفِ أَلْفًا حَالَ كَوْنِ قِيمَةِ السَّاعَةِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ وَتَلِفَ السَّيْفُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ كَامِلًا. اُنْظُرْ لَاحِقَةَ شَرْحِ الْمَادَّةِ ٧٤١. (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute