قِيمَتَهُ. بَلْ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ الْهَالِكِ بِمِقْدَارِ مَا أَوْفَى مِنْ دَيْنِهِ كَمَا سَيُفَصَّلُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٣٢) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَكُونُ أَوْفَى بِمَالِ غَيْرِهِ دَيْنًا بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الْمَالِ. إذْ إنَّهُ لَمَّا اسْتَعَارَ الْمُسْتَعِيرُ وَأَعَارَ الْمُعِيرُ يَكُونُ كَأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ أَمَرَ الْمُعِيرَ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْمُعِيرِ وَالْمَأْمُورُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ يُرَاجِعُ أَمْرَهُ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي أَدَّاهُ الْعَيْنِيُّ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٦ ٠ ٥ ١) وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ الْقَيْدَ وَالشَّرْطَ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٨١٧) . وَتَفْصِيلُ عَدَمِ إمْكَانِهِ الْمُخَالَفَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: لَمَّا أَذِنَ صَاحِبُ الْمَالِ بِإِعْطَاءِ رَهْنٍ مُقَابِلَ كَذَا مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقَيَّدَهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَأَتَّى أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُعِيرُ الدَّيْنَ وَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِخْلَاصِ مَالٍ. فَإِذَا رَهَنَ الْمُسْتَعِيرُ مُقَابِلَ دَيْنٍ أَزْيَدُ يُصْبِحُ الْمُعِيرُ مَجْبُورًا عَلَى أَدَاءِ دَيْنٍ زَائِدٍ عَنْ الْمِقْدَارِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَمُتَضَرِّرًا مِنْ ذَلِكَ.
وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَ أَيْضًا مُقَابِلَ دَيْنٍ أَنْقَصَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَزِيدُ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ عَلَى الدَّيْنِ أَمَانَةً وَالْمُعِيرُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالْأَمَانَةِ بَلْ مُرَجِّحًا جِهَةَ الضَّمَانِ وَكَانَ التَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ مُفِيدًا لَهُ.
وَالتَّقْيِيدُ بِجِنْسِ كَذَا مُفِيدٌ وَبِالْمُرْتَهِنِ وَالْبَلْدَةِ أَيْضًا مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ بَعْضِ الدَّيْنِ أَسْهَلُ لِلْمُعِيرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْآخَرِ قَدْ يَكُونُ تَخْلِيصُ الرَّهْنِ فِي كَذَا بَلْدَةً أَسْهَلَ مِنْ غَيْرِهَا لِلْمُعِيرِ كَمَا أَنَّ الْأَشْخَاصَ تَتَفَاوَتُ أَيْضًا فِي الْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ.
مَثَلًا لَوْ أَذِنَ شَخْصٌ لِلْآخَرِ بِالرَّهْنِ مُقَابِلَ مَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَالِ جِنْسِهِ كَذَا فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ مُقَابِلَ دَيْنٍ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ أَوْ مَالًا مِنْ غَيْرِ جِنْسٍ أَوْ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى.
وَعَلَيْهِ إذَا خَالَفَ الْمُسْتَعِيرُ شُرُوطَ الْمُعِيرِ وَقُيُودَهُ يَكُونُ الرَّهْنُ فُضُولِيًّا فَإِنْ شَاءَ الْمُعِيرُ أَجَازَهُ وَيُتِمُّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ. وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الرَّهْنَ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَتَى كَانَ الرَّهْنُ مَوْجُودًا وَفُسِخَ فَالْمُعِيرُ يَدَّعِي الرَّهْنَ بِحُضُورِ الرَّاهِنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ فَسَخَ عَقْدَ الرَّهْنِ وَيَأْخُذُ الْمَرْهُونَ. وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَزِمَ الضَّمَانُ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ: الْمُعِيرُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمِنَهُ لِلْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِالصُّورَةِ الَّتِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِهَا يَكُونُ غَاصِبًا وَيُتِمُّ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. اُنْظُرْ اللَّاحِقَةَ الْآتِيَ ذِكْرُهَا؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَالِكٌ الْمَرْهُونَ بِالضَّمَانِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ عَلَيْهِ يَكُونُ قَدْ رَهَنَ مِلْكَهُ. وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ بِأَخْذِهِ وَقَبْضِهِ مَالَ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ يَكُونُ غَاصِبَ الْغَاصِبِ.
اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٩١٠) . وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ مَطْلُوبَهُ مِنْ الرَّاهِنِ مِنْ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ وَيَتَسَنَّى رُجُوعُهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِسَبَبِ فُلَانٍ مِنْ جِهَتِهِ وَعَلَى شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦٨٥) مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَرُجُوعُهُ بِالدَّيْنِ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى عَوْدَةِ حَقِّهِ بِانْتِقَاضِ الْقَبْضِ (أَبُو السُّعُودِ. الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ، رَدُّ الْمُحْتَارِ الْبَزَّازِيَّةُ فِي الثَّالِثِ فِي الضَّمَانِ، الْخَانِيَّةُ) اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٧٠١) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute