يَسْقُطُ حَقُّ طَلَبِ الدَّائِنِ (الْكِفَايَةُ) غَيْرَ أَنَّهُ فِي زَمَانِنَا نَظَرًا لِلْأُصُولِ الْمَرْعِيَّةِ إذَا كَانَ لِلرَّاهِنِ مَالٌ مَرْهُونٌ أَوْ مَالٌ آخَرُ كَافٍ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ إنَّ مَالَهُ يُبَاعُ بِمَعْرِفَةِ الْمُحَكِّمَةِ وَيُسَدَّدُ مَطْلُوبُ الْمُرْتَهِنِ وَالدَّائِنِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمَدِينُ بِبَيْعِ مَالِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَتَى طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ كَامِلَ دَيْنِهِ الْمُعَجَّلِ أَوْ الْمُؤَجَّلِ الَّذِي حَلَّ أَجَلُهُ أَوْ التَّقْسِيطَ الَّذِي حَلَّ مِنْهُ فَعِنْدَمَا يَعْتَرِفُ الرَّاهِنُ بِوُجُودِ الرَّهْنِ سَالِمًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يُؤْمَرُ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ إلَى مَجْلِسِ الْمُرَافَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ مِنْ إحْضَارِ الرَّهْنِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِبَقَائِهِ (الزَّيْلَعِيّ وَالْكِفَايَةُ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ كَامِلًا فَأَوَّلًا يُسَلِّمُ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ. وَثَانِيًا يَلْزَمُ تَقْدِيمُ أَدَاءِ الدَّيْنِ عَلَى رَدِّ وَتَسْلِيمِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فَتَسْلِيمُ الْمَرْهُونِ أَوَّلًا يُبْطِلُ الْوَثِيقَةَ فَلَوْ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرْهُونِ أَوَّلًا فَنَظَرًا لِاحْتِمَالِ وَفَاةِ الرَّاهِنِ يَلْزَمُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنْ يُشَارِكَ الْمُرْتَهِنُ الْغُرَمَاءَ مَعَ أَنَّ بُطْلَانَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي هَذَا ثَابِتٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَيُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا (الْخَانِيَّةُ) . ثُمَّ حَيْثُ إنَّ الْمُرْتَهِنَ عَيَّنَ حَقَّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ يَعْنِي لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ مُتَعَيِّنٌ وَمُتَقَرِّرٌ يَقْتَضِي أَنْ يُعَيِّنَ الرَّاهِنُ أَيْضًا حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ وَأَنْ تَحْصُلَ الْمُسَاوَاةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ فَلَا يَحْصُلُ التَّعَيُّنُ الْمَذْكُورُ إلَّا بِقَبْضِ الدَّيْنِ الْمُخْتَارُ وَالدُّرُّ وَالزَّيْلَعِيّ.
وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَسُقُوطَ الدَّيْنِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (١ ٧٤) وَطَلَبَ لِتَظَاهُرِ الْحَقِيقَةِ إحْضَارَ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا إلَى مَجْلِسِ الْمُحَاكَمَةِ فَإِذَا كَانَ إحْضَارُ الرَّهْنِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى مَصَارِيفَ نَقْلِيَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ سَاعَةً أَوْ خَاتَمًا يَأْمُرُ الْحَاكِمُ الْمُرْتَهِنَ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ إلَى الْمَجْلِسِ الزَّيْلَعِيّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي بَلْدَةِ الرَّهْنِ أَوْ فِي غَيْرِهَا الْأَنْقِرْوِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَهْلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (١ ٧٤) وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَإِذَا أَوْفَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ هَذِهِ الْمَرَّةَ يَكُونُ قَدْ أَعْطَاهُ مَرَّتَيْنِ (مَرَّةً بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَمَرَّةً بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ) (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الثَّالِثِ مِنْ الرَّهْنِ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ) .
وَإِذَا أَحْضَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِنَاءً عَلَى أَمْرِ الْحَاكِمِ يُوفِي الرَّاهِنُ دَيْنَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرُدُّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالزَّيْلَعِيّ غَيْرَ أَنَّهُ فِي سِتِّ مَسَائِلَ لَيْسَ الْمُرْتَهِنُ مُكَلَّفًا بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ:
مَسْأَلَةٌ (١) إنْ كَانَ لِلرَّهْنِ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إحْضَارِهِ أَيْ عَلَى نَقْلِهِ بِدَرَاهِمَ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ كَمَا سَيُوَضَّحُ شَرْحًا فِي الْمَادَّةِ (٧٣٢) (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ التَّخْلِيَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَلَيْسَ النَّقْلَ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) . وَلَمْ يُعْتَبَرْ هُنَاكَ احْتِمَالُ تَكْرَارِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي مُقَابِلِهِ ضَرَرٌ مُتَعَيَّنٌ وَهُوَ تَأْخِيرُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَأَفَادَ الْمُرْتَهِنُ بَقَاءَهُ فَيَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute