مَرْهُونًا مُقَابِلَ الدَّيْنِ كُلَّهُ كَمَا كَانَ فَيَجْرِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ.
مَثَلًا لَوْ رَهَنَ الرَّاهِنُ مَالًا مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ أَوْفَى لِلْمُرْتَهِنِ أَرْبَعَمِائَةِ قِرْشٍ مِنْهُ وَقَالَ: فَلْيَبْقَ الرَّهْنُ مُقَابِلَ السِّتِّمِائَةِ قِرْشٍ الْبَاقِيَةِ فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْكَلَامِ وَيَبْقَى مَرْهُونًا مُقَابِلَ كُلِّ الدَّيْنِ (الْأَنْقِرْوِيُّ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَلَكِنْ إذَا رَهَنَ شَيْئَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ مُقَابِلَ دَيْنٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِقْدَارًا مِنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ وَأَوْفَى الْمِقْدَارَ الَّذِي تَعَيَّنَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَبْرَأَ أَوْ وَهَبَ لِلرَّاهِنِ فَلِلرَّاهِنِ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَخْلِصَهُ وَحْدَهُ فَقَطْ. (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٧٢٩) . وَيُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِخُصُوصِ أَيِّ رَهْنٍ أَعْطَاهُ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٧٧٥ ١) .
سُؤَالٌ وَجَوَابٌ: بِمَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَعَدَّدُ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ فَهَلْ يَتَعَدَّدُ الرَّهْنُ مِثْلَ الْبَيْعِ أَمْ لَا؟ الرِّوَايَةُ مُخْتَلِفَةٌ بِخُصُوصِ تَعَدُّدِ عَقْدِ الرَّهْنِ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ: فَعَلَى رِوَايَةٍ يَتَعَدَّدُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرِيرُ الْعَقْدِ. وَالْحَالُ أَنَّهُ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ الْمَادَّةِ (١٧٩) وَشَرْحِهَا لَا يَتَعَدَّدُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّهُ فِي قَبُولِ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ إضْرَارٌ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ هِيَ أَنْ يُضَمَّ الرَّدِيءُ إلَى الْجَيِّدِ وَيُبَاعُ الرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ مَعًا. وَحَيْثُ إنَّ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا يَزُولُ فِي الرَّهْنِ فَلَيْسَ مِنْ ضَرَرٍ لِلْمُرْتَهِنِ فِي قَبُولِ الرَّهْنِ وَفِي أَحَدٍ مِنْ الْمَرْهُونِ الْمُتَعَدِّدِ. فَهَا أَنَّهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَهَذِهِ الْحِكْمَةِ حِينَمَا يَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْت حِصَانِي هَذَا بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ وَفَرَسِي هَذِهِ بِخَمْسَ عَشَرَةَ ذَهَبًا، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ الِاثْنَيْنِ بِهَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُك حِصَانِي هَذَا مُقَابِلَ عَشْرِ ذَهَبَاتٍ مِنْ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ ذَهَبًا مِنْ الَّتِي لَك عَلَيَّ وَرَهَنْتُك فَرَسِي هَذِهِ مُقَابِلَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ ذَهَبًا الْبَاقِيَةِ، فَلَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبُولِ الِاثْنَيْنِ وَأَمَّا إنْ قَالَ: ارْتَهَنْت هَذَا الْحِصَانَ مُقَابِلَ عَشْرِ ذَهَبَاتٍ صَحَّ ذَلِكَ الْهِدَايَةُ وَعَيْنِيٌّ.
وَأَمَّا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَحُكْمُ هَذِهِ الْفِقْرَةِ أَيْضًا نَظِيرُ حُكْمِ الْفِقْرَةِ السَّالِفَةِ. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَا يَتَعَدَّدُ عَقْدُ الرَّهْنِ فِي الرَّهْنِ أَيْضًا بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَبِلَتْ الرِّوَايَةَ الْأُولَى (أَبُو السُّعُودِ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَلِنُوَضِّحَ بِمِثَالِ فِقْرَةِ الْمَجَلَّةِ الثَّانِيَةِ هَذِهِ: مَثَلًا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْت هَذِهِ السَّاعَةَ مُقَابِلَ عَشْر ذَهَبَاتٍ مِنْ الدَّيْنِ الْبَالِغِ خَمْسَ عَشَرَةَ ذَهَبًا أَوْ رَهَنْت هَذَا السَّيْفَ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِ ذَهَبَاتٍ مِنْهُ، وَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَبَعْدَ أَنْ قَبَضَ الِاثْنَيْنِ إذَا أُعْطِيَ خَمْسَ ذَهَبَاتٍ لِلرَّاهِنِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ السَّيْفَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقُولَ: لَا، اعْطِنِي السَّيْفَ مَا لَمْ يُوفِ كُلَّ الدَّيْنِ. وَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ إعْطَائِهِ يَكُونُ غَاصِبًا.
وَالْإِتْيَانُ شَرْحًا بِقَوْلِهِ: بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْمَجَلَّةِ. وَإِلَّا فَإِنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْفِقْرَةِ جَارٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُتَعَدِّدًا. كَمَا لَوْ رُهِنَ مَالٌ وَسُلِّمَ بِعَقْدٍ مُقَابِلَ دَيْنٍ ثُمَّ رُهِنَ مَالٌ آخَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute