الَّذِي أَدَّاهُ. وَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ قَبَضَ تَمَامَ مَطْلُوبِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ رَدِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُعِيرِ بِتَقْدِيرِ إثْبَاتِهِ أَنَّهُ مَالٌ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ ذَلِكَ أَيْضًا (الْأَنْقِرْوِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
يَعْنِي مَتَى نَقَدَ الْمُعِيرُ الْمُرْتَهِنَ دَيْنَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقُولَ: مَطْلُوبِي لَيْسَ عِنْدَك أَنْتَ لَسْت خَصْمًا لِي، لَا آخُذُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَعْطَيْتنِي إيَّاهَا. وَفِي الْوَاقِعِ مَتَى أَقْدَمَ شَخْصٌ ثَالِثٌ عَلَى إعْطَاءِ مَا لِشَخْصٍ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ تَبَرُّعًا وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ حَقٌّ فِي عَدَمِ أَخْذِهَا فَالْمُرْتَهِنُ مَجْبُورٌ عَلَى قَبُولِ تَأْدِيَةِ الْمُعِيرِ. وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي هَذِهِ التَّأْدِيَةِ مُتَبَرِّعٌ وَلَيْسَ سَاعِيًا لِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ سَاعِيًا أَيْضًا لِتَخْلِيصِ الْمِلْكِ وَأَمَّا الْمُعِيرُ فَهُوَ سَاعٍ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ (الْهِدَايَةُ) .
وَعَلَيْهِ فَمَتَى أَرَادَ الْمُعِيرُ تَخْلِيصَ الْمَرْهُونِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَكَانَ الْمُسْتَعِيرُ حَاضِرًا فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُ الْمُعِيرِ أَوْ يُنْكِرَ وَعِنْدَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ مِلْكَ الْمُعِيرِ فَكَمَا أَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ وَيَأْخُذَ الرَّهْنَ وَبِتَقْدِيرِ غِيَابِ الْمُسْتَعِيرِ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُقِرًّا بِمِلْكِيَّةِ الْمُعِيرِ لِلْمَرْهُونِ فَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ وَيَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ. وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ حَاضِرًا لَا يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ هَذَا الْإِقْرَارُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ مُقِرًّا بِمِلْكِيَّةِ الْمُعِيرِ لِلْمَرْهُونِ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَتَدَاخَلَ فِي الْمَرْهُونِ فِي حَالِ عَدَمِ حُضُورِ الْمُسْتَعِيرِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْفِقْرَةِ السَّابِقَةِ.
الْفِقْرَةُ (لِسَبَبِ فَقْرِهِ) الْوَارِدَةُ فِي الْمَجَلَّةِ لَيْسَتْ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ غَنِيًّا إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ مَالَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِمُرَاجَعَتِهِ رَأْسًا دُونَ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُسْتَعِيرَ مَتَى كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُقِرًّا بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مِلْكُ الْمُعِيرِ فَهُوَ مَجْبُورٌ عَلَى أَخْذِ كَامِلِ مَطْلُوبِهِ وَرَدِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُعِيرِ (الْهِنْدِيَّةُ وَالْخَانِيَّةُ) . تَعْبِيرُ (مُعِيرٍ) فِي الْمَجَلَّةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. مَتَى أَدَّى أَجْنَبِيٌّ مَطْلُوبَ الْمُرْتَهِنِ تَمَامًا وَطَلَبَ إعَادَةَ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُعِيرِ فَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الِامْتِنَاعِ أَيْ لَهُ حَقٌّ أَنْ لَا يَقْبَلَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَعْطَاهَا ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعِيرِ وَالْأَجْنَبِيِّ هُوَ أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا وَالْمُعِيرُ فِي هَذِهِ التَّأْدِيَةِ سَاعٍ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَأَمَّا هَذَا الْأَجْنَبِيُّ فَلَيْسَ بِسَاعٍ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا لِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ وَلِذَلِكَ لَا تُوجَدُ خُصُومَةٌ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالْأَجْنَبِيِّ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) .
أُشِيرُ بِعِبَارَةِ (ذَلِكَ الدَّيْنُ) فِي الْمَجَلَّةِ إلَى وُجُوبِ أَدَاءِ الدَّيْنِ كَامِلًا يَعْنِي أَنَّ الْمُعِيرَ يُمْكِنُهُ تَخْلِيصَ مَالٍ بِأَدَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ وَإِلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَعَارِ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ بِأَدَاءِ مِقْدَارِ الْقِيمَةِ فَقَطْ. مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ أَلْفَ قِرْشٍ وَرَهَنَهَا الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ مُقَابِلَ دَيْنِ أَلْفَيْ قِرْشٍ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ بِتَأْدِيَةِ أَلْفَيْ قِرْشٍ. وَلَيْسَ لَهُ اسْتِخْلَاصُهُ بِتَأْدِيَةِ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ الَّتِي هِيَ أَلْفُ قِرْشٍ فَقَطْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ مَالًا آخَرَ لَهُ مُقَابِلَ دَيْنٍ بِصُورَةٍ مُوَافِقَةٍ لِقَيْدِ وَشَرْطِ الْمُعِيرِ وَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ مَالَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ كُلَّ الدَّيْنِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ الْمُسْتَعَارَ بِإِعْطَاءِ مَا يُصِيبُ الْمُسْتَعَارُ مِنْ الدَّيْنِ فَقَطْ أَبُو السُّعُودِ.
كَمَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ شَخْصٌ مَالًا مِنْ اثْنَيْنِ وَأَدَّى رَهْنَهُ وَأَدَّى نِصْفَ الدَّيْنِ الَّذِي يُقَابِلُهُ مُعَيِّنًا أَنَّ حِصَّةَ الدَّيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute