إذَا بَيَّنَ عَدَدَهَا وَجِنْسَهَا وَالْكِيسَ الْمَوْضُوعَةَ فِيهِ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُعْطِيَ تِلْكَ اللُّقَطَةَ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ بِرِضَاهُ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهَا. لَكِنْ إذَا لَمْ يُعْطِهَا بِرِضَاهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَلَهُ الْحَقُّ أَنْ يَطْلُبَ بَيِّنَةً. وَابْنُ الْهُمَامِ يُرَجِّحُ هَذَا الْقَوْلَ. كَمَا لَوْ ظَهَرَ شَخْصَانِ وَوَصَفَ كِلَاهُمَا اللُّقَطَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالَهُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُعْطِيَهُمَا لَهُمَا بِالِاشْتِرَاكِ بِلَا إجْبَارٍ. وَلَكِنْ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ بِفِقْرَةِ (ثَانِيًا) أَعْلَاهُ لِلْمُلْتَقِطِ حَقٌّ بِأَنْ يَطْلُبَ كَفِيلًا مِنْ الشَّخْصِ الَّذِي سَيُسَلِّمُهُ اللُّقَطَةَ وَأَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ التَّسْلِيمِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إعْطَائِهِ كَفِيلًا.
ثَالِثًا - إذَا ظَهَرَ شَخْصٌ وَادَّعَى بِأَنَّ اللُّقَطَةَ مَالَهُ وَأَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ وَصَادَقَ عَلَى ذَلِكَ يُسَلِّمُهُ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ وَإِنْ لَمْ يُوَصِّفْهَا وَيُعَرِّفْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ وَلَكِنْ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ هَذِهِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ وَطَلَبَ بَيِّنَةً يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ كَمَالٍ هَذِهِ الْجِهَةَ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
وَلَا يُجْبَرُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْآخَرِينَ. لِأَنَّهُ حَيْثُ هَذَا الْإِقْرَارُ وَاقِعٌ عَلَى الْغَيْرِ. فَلَيْسَ حَائِزًا صِفَةً تُوجِبُ الْإِلْزَامَ. وَعَلَيْهِ فَلِلْمُلْتَقِطِ حَقٌّ بِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ.
وَمَا جَاءَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ اللُّقَطَةَ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ هُوَ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ إعْطَائِهِ وَتَسْلِيمِهِ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلتَّعْزِيرِ وَلَا مَسْئُولًا مِنْ جِهَةِ الْآخِرَةِ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ لَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ تُجَاهَ صَاحِبِهَا الْحَقِيقِيِّ.
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا سَلَّمَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ إلَى شَخْصٍ بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ أَوْ بِالتَّصْدِيقِ ثُمَّ ظَهَرَ شَخْصٌ آخَرُ وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالَهُ فَكَمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ عَيْنًا إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً لَهُ الْخِيَارُ إذَا هَلَكَتْ. فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُلْتَقِطِ وَإِنْ شَاءَ لِلشَّخْصِ الَّذِي قَبَضَهَا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٠ ٩١) .
وَإِذَا ضَمَّنَهَا لِلْقَابِضِ فَلَيْسَ لِلْقَابِضِ أَنْ يُضَمِّنَهَا لِلْمُلْتَقِطِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦٥٨) . وَأَمَّا إذَا ضَمَّنَهَا لِلْمُلْتَقِطِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ وَالصَّحِيحُ هُوَ هَذَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُلْتَقِطِ وَتَصْدِيقَهُ كُذِّبَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَكَأَنَّهُ سَلَّمَ بِلَا تَصْدِيقٍ وَفَهِمَ أَخِيرًا أَنَّ اللُّقَطَةَ لَيْسَتْ مَالَهُ. (الْفَتْحُ) رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٧٩ مِنْ الْمَجَلَّةِ وَالْمَادَّةَ ٤٦٥١.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْأَظْهَرَ هُوَ هَذَا فَإِنْ سَلَّمَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى بَيَانِ الْعَلَامَةِ وَصَارَ ضَامِنًا تُجَاهَ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ الْحَقِيقِيِّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَخَذَهَا بِبَدَلِ الضَّمَانِ وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ بِالْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) يَعْنِي قَالُوا: إنَّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذُكِرَتْ آنِفًا رُجُوعًا وَلَيْسَ مِنْ رُجُوعٍ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ.
اسْتِثْنَاءٌ: إذَا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ لِشَخْصٍ وَسُلِّمَتْ لَهُ بِسَبَبِ لُحُوقِ الْحَاكِمِ بِالتَّسْلِيمِ ثُمَّ ظَهَرَ شَخْصٌ آخَرُ وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالُهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ.
. ١٠ - الْمُعَامَلَةُ الَّتِي يَجِبُ إجْرَاؤُهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلُّقَطَةِ صَاحِبٌ: إذَا أَعْلَنَ الْمُلْتَقِطُ وَعَرَّفَ بِظَرْفِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَتْنًا وَشَرْحًا فِي الْمَادَّةِ (٠ ٧٧) وَلَمْ يَظْهَرْ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ