للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَبُولِ فِي الْإِيدَاعِ بَعْدَ الْإِيجَابِ هُوَ لِأَجْلِ وُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَلَكِنْ لِاكْتِسَابِ الْمَالِ صِفَةَ الْأَمَانَةِ فَالْإِيجَابُ وَحْدَهُ كَافٍ وَالْقَبُولُ لَيْسَ لَازِمًا فِيهِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْإِيجَابِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي يَدِ الَّذِي سَيَكُونُ مُسْتَوْدَعًا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.

مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِلْغَاصِبِ: أَوْدَعْتُكَ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِكَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْغَاصِبُ لَا يُجَابُ، وَلَوْ رَدَّهُ أَيْضًا يَكُونُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ يَكْتَسِبُ صِفَةَ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

وَيَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ الْأَرْبَعَةُ مِنْهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْمَجَلَّةِ لَفْظِ صَرَاحَةً وَدَلَالَةً الْوَارِدَيْنِ بَعْدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِنَاءً مِنْ احْتِمَالِ ارْتِبَاطِهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كِلَيْهِمَا فَيَكُونُ انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالنَّظَرِ لِلْمِجَلَّةِ بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً. كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَجَلَّةِ الْآتِي ذِكْرُهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً. وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الدَّلَالَةُ الْقَوْلِيَّةُ كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي مِنْ الْمَجَلَّةِ الْآتِي ذِكْرُهُ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الدَّلَالَةُ الْفِعْلِيَّةُ. كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ الْآتِي ذِكْرُهُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ صَرَاحَةً وَالْقَبُولِ دَلَالَةً.

كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الرَّابِعِ مِنْ الْمَجَلَّةِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ دَلَالَةً وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً.

وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ مِثَالٌ عَلَى هَذَا فِي الْمَجَلَّةِ فَنَذْكُرُ لَهُمْ مِثَالًا كَمَا يَأْتِي: مَثَلًا لَوْ تَرَكَ رَجُلٌ مَالًا بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ وَبَيْنَمَا هُوَ ذَاهِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَالَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ: إنِّي قَبِلْتُ هَذَا الْمَالَ وَدِيعَةً فَيَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ دَلَالَةً وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً.

وَفُهِمَ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ السَّابِقَةِ سَبَبُ تَعَدُّدِ الْأَمْثِلَةِ وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّلَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَجَلَّةِ أَعَمُّ مِنْ الدَّلَالَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ كِنَايَةً.

كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَعْطِنِي هَذَا الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ يَكُونُ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْهِبَةِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى مِنْ الْهِبَةِ تَكُونُ الْوَدِيعَةُ مُتَيَقَّنَةً وَالْهِبَةُ مَشْكُوكَةً وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ كِنَايَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ فِي آخِرِ الْوَدِيعَةِ) .

مَثَلًا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ: أَوْدَعْتُكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ أَمَّنْتُكَ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْمُسْتَوْدَعُ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ صَرَاحَةً وَبِالْقَبُولِ صَرَاحَةً.

وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَوْدَعُ الْإِيجَابَ بِأَنْ رَفَضَ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ.

وَلَكِنَّ الْمُودِعَ مَعَ ذَلِكَ تَرَكَهَا وَذَهَبَ فَهَلَكَتْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَإِذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ الْمَالَ الْمَذْكُورَ إلَى بَيْتِهِ كَيْ يَكُونَ مَالًا لَهُ يَكُونُ غَاصِبًا. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٧٦٩) . وَأَمَّا إذَا أَخَذَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ لِصَاحِبِهِ فَاللَّائِقُ وَالْمُنَاسِبُ أَيْضًا أَنْ يُعَدَّ غَاصِبًا نَظَرًا لِمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>