وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَتَى حَفِظَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ شَخْصٍ أَمِينٍ لَهُ يَجُوزُ هَذَا الْحِفْظُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْأَمِينُ فِي عِيَالِهِ وَنَظَرًا لِهَذَا الْقَوْلِ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ الْأَمِينِ وَشَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا، وَالْحَاصِلُ بِوَاسِطَةِ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَى حِفْظِ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مَثَلًا فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ كَحِفْظِ الْمُسْتَوْدَعِ مَالَ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. وَكَمَا أَنَّ الْفَتْوَى هِيَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَبِمَا أَنَّهُ أَفْتَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى الْمُسَمَّاةِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي يَظْهَرُ مِنْ إتْيَانِ لَفْظِ أَمِينٍ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ وَقَعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا يُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ عِبَارَةِ (أَوْ لِلشَّخْصِ الَّذِي اعْتَادَ حِفْظَ مَالِ نَفْسِهِ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَادَّةِ (٨٧٤) وَمِنْ قَوْلِهِ: (يَحْفَظُ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِالذَّاتِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ كَخَادِمِهِ أَوْ شَرِيكِهِ أَوْ عِيَالِهِ) فِي الْمَادَّةِ (٧٢٢) ؛ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ الضَّمَانُ مِنْ أَجْلِهِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ لِسَبَبِهِ أَيْضًا. أَمَّا كُلُّ فِعْلٍ لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ الضَّمَانُ مِنْ أَجْلِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ لِسَبَبِهِ أَيْضًا. وَلَكِنَّ الْوَدِيعَةَ إذَا هَلَكَتْ لَا تُضْمَنُ (الزَّيْلَعِيّ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) وَأَمَّا الْمَرْهُونُ إذَا هَلَكَ يُضْمَنُ بِغَيْرِهِ.
الْحِفْظُ بِوَاسِطَةِ غَيْرِ الْأَمِينِ: نَظَرًا لِلْقَوْلَيْنِ السَّالِفِي الْبَيَانِ يُشْتَرَطُ لِحِفْظِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ عِيَالِهِ أَنْ تَكُونَ الْعِيَالُ أُمَنَاءَ وَأَشَارَتْ الْمَجَلَّةُ إلَى هَذَا بِلَفْظِ أَمِينٍ. بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ بِوَاسِطَةِ شَخْصٍ غَيْرِ أَمِينٍ وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِ الْمُسْتَوْدَعِ.
أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ فِي الْأَمِينِ: الْحَاصِلُ فِي الْأَمِينِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ.
الْمُسْتَوْدَعُ الَّذِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ: (١) إمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ شَخْصٌ أَمِينٌ.
(٢) أَوْ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ أَلْبَتَّةَ.
(٣) أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَمِينٍ.
وَلَهُ أَنْ يُودِعَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَهُ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ.
وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لَهُ أَنْ يُودِعَهُ أَيْضًا وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ (الطَّحْطَاوِيُّ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ إنْ كَانَ لِشَخْصٍ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ زَوْجَتِهِ الْأَمِينَةِ السَّاكِنَةِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِوَاسِطَةِ زَوْجَتِهِ غَيْرِ الْأَمِينَةِ.
كَمَا أَنَّهُ نَظَرًا لِقَوْلِ الثَّانِي لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِوَاسِطَةِ شَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً، وَحَيْثُ إنَّ هَذَا مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ الشَّرِيكِ أَمِينًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا إنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ.
حَتَّى أَنَّهُ إذَا حَفِظَهَا بِوَاسِطَةِ الشَّرِيكِ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ بِيَدِ الشَّرِيكِ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا.
وَبِمَا أَنَّ فَائِدَةَ قَيْدِ (بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ) سَتُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٩٠) فَلْتُرَاجِعْ.
الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَمِينِ: يَظْهَرُ مِنْ التَّقْرِيرِ الْمَشْرُوحِ أَنَّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمَارِّ ذِكْرُهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَخَصُّ مُطْلَقًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَعَمُّ مُطْلَقًا فَحِينَمَا يَكُونُ إيدَاعُ الْمُسْتَوْدَعِ لِغَيْرِهِ وَحِفْظُهُ بِوَاسِطَتِهِ صَحِيحًا يَكُونُ صَحِيحًا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَيْضًا.
الْحُكْمُ فِي الْحِفْظِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِ الْأَمِينِ، إذَا حَفِظَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَمِينٍ وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ الْوَدِيعَةُ فَالْمُودِعُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَوْدَعَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ ذَلِكَ الشَّخْصَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٧٩٠) . أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَا يَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ