أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ قَادِرَةً عَلَى حَمْلِهِمَا فَيَضْمَنُ كُلٌّ قِيمَتَهَا. اُنْظُرْ لَاحِقَةَ شَرْحِ الْمَادَّةِ (٥٥١) لَكِنْ هَلْ يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ؟ وَقَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٤٢٨) أَنَّ لَهُ فِي الْإِجَارَةِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا. سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعَارِيَّةُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالْغُرْفَةِ أَمْ كَانَتْ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَفَرَسِ الرُّكُوبِ يَعْنِي أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَنْ يُعِيرَ الْمُسْتَعَارَ لِآخَرَ.
جَاءَ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ فَرَسُ الرُّكُوبِ. وَقَدْ بَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٤٢٧) أَنَّ فَرَسَ الرُّكُوبِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ.
أَمَّا فَرَسُ التَّحْمِيلِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ. (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ ٥٥١) . مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك حُجْرَتِي وَقَبِلَ الْمُسْتَعِيرُ الْإِعَارَةَ أَيْضًا فَالْمُسْتَعِيرُ إذَا شَاءَ أَقَامَ فِي الْحُجْرَةِ وَإِذَا شَاءَ أَسْكَنَ غَيْرَهُ فِيهَا. لَكِنْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا هُوَ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ؟ أَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٤٢٨) .
وَهَذَا الْمِثَالُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك فَرَسَ الرُّكُوبِ هَذَا وَقَبِلَ الْمُسْتَعِيرُ الْإِعَارَةَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْكَبَهُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُرْكِبَهُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ قَدْ أَمَرَ الْمُسْتَعِيرَ بِالِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ عَامٌّ وَشَامِلٌ لِلِانْتِفَاعِ كَمَا يَشَاءُ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٦٤) . وَجِهَةُ التَّعْيِينِ عَائِدَةٌ إلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَهَذَا يَعْنِي التَّعْيِينَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ.
وَهَذَا مِثَالٌ لِمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ وَتَحْتَاجُ مَسْأَلَةُ تَحْمِيلِ الْفَرَسِ حِمْلًا إلَى إيضَاحٍ فَهَلْ لِلْمُسْتَعِيرِ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَنْ يَحْمِلَ حِمْلَهُ أَوْ يُعِيرَهُ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ؟ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْفَرَسُ جَوَادًا مُعَدًّا لِلرُّكُوبِ مَثَلًا فَلَيْسَ لَهُ التَّحْمِيلُ وَلَوْ أُعِيرَ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا مَرَّ فِي الْمِثَالِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْجَوَادَ الْعَرَبِيَّ لَا يَحْمِلُ وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٤٣) .
وَعَلَيْهِ فَلَوْ حَمَلَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ حِمْلًا وَتَلِفَ لَزِمَ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَ مَا حَمَلَهُ مِمَّا يُطِيقُهُ الْجَوَادُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الثِّيَابَ، فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَلْبَسَهَا أَوْ يُلْبِسَهَا غَيْرَهُ (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ) وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِفَاعٍ آخَرَ فِي الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ بَعْدَ تَعْيِينِ فِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ يَعْنِي لَوْ أُعِيرَ مَالٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ إعَارَةً مُطْلَقَةً وَكَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ بَعْدَ أَنْ تَعَيَّنَ الِانْتِفَاعُ بِفِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ بِهِ، يَعْنِي لَوْ أَرْكَبَ الْمُسْتَعِيرُ أَوَّلًا غَيْرَهُ عَلَى الْفَرَسِ الْمَذْكُورِ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ فَلَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ الْفَرَسَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ قَالَ الزَّيْلَعِيّ بِصُحُفِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ مُوَافِقٌ أَيْضًا لِلْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (٥٥٢) . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ رَكِبَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ أَوَّلًا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ وَتَلِفَ الْفَرَسُ لَزِمَ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ ثُمَّ أَنْزَلَهُ وَرَكِبَ هُوَ الْفَرَسَ وَتَلِفَ الْفَرَسُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الرَّاكِبُ بِالْفِعْلِ فَالْمُخَالَفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ تَعَدِّيًا مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ قَالُوا بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute