لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَلَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ إسْقَاطٌ وَلَيْسَتْ تَمْلِيكًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَوْنُهَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٨٧٣) بَعْدَ الْإِيجَابِ. بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ وَقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
رَابِعًا - يَخْرُجُ أَيْضًا الْإِقْرَارُ الَّذِي يَقَعُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَبِطَرِيقَةِ نَفْيِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا فِي الْحَالِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْمَالَ هُوَ مَالٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَصْلِ فَلِذَلِكَ الْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ صُورَةَ نَفْيِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ خَارِجًا عَنْ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَمْ يَكُنْ هِبَةً وَحَتَّى لَا يَلْزَمُ الْقَبْضُ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لِتَمَامِ عَقْدِ الْهِبَةِ. مَثَلًا إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ (أَيْنَ تراست) فَيَكُونُ بِقَوْلِهِ هَذَا قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ ذَلِكَ الْمَالِ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَمَّا إذَا قَالَ (أَيْنَ ترا) فَيَكُونُ قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَالَ مِلْكًا لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَبِمَا أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْهِبَةِ فَأَصْبَحَ هَذَا الْإِقْرَارُ هِبَةً فَيَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ (الْهِنْدِيَّةُ) .
فَلِذَلِكَ إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّ جَمِيعَ مَا أَمْلِكُهُ هُوَ لِفُلَانٍ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ هَذَا هِبَةً فَيَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ حَالَةَ كَوْنِهِ لَوْ أَقَرَّ قَائِلًا: إنَّ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُنْسَبُ لِي هِيَ لِفُلَانٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا إقْرَارًا فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّسْلِيمِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٥٩١) وَشَرْحَ الْمَادَّةَ (٨٤٨) .
الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ لَفْظِ التَّمْلِيكِ: - يُوجِبُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ أَنْ يَكُونَ الْمُمَلِّكُ أَيْ الْوَاهِبُ مَالِكًا لِذَاكَ الْمَالِ وَأَهْلًا لِتَمْلِيكِهِ وَقَدْ أُشِيرَ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَى الْمَادَّتَيْنِ (٨٥٧ و ٨٥٩) كَمَا أَنَّهُ أُشِيرَ بِذَلِكَ إلَى عَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ حَيْثُ إنَّ الْحَطَبَ وَالْأَخْشَابَ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْجِبَالِ الْمُبَاحَةِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَتَمْلِيكُهَا مِنْ الْوَاهِبِ لِآخَرَ يَكُونُ مُحَالًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكًا لِشَيْءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ (الْبَحْرُ) .
(٢) قِيلَ فِي النَّصِّ التُّرْكِيِّ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ تَمْلِيكُ مَالِ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَذَا التَّعْبِيرِ الِاحْتِرَازُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَالَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْ مَالَيْنِ بَلْ جَاءَ ذَلِكَ لِلتَّنْكِيرِ وَالتَّعْمِيمِ لَيْسَ إلَّا فَهُوَ يَشْمَلُ الْمَوْهُوبَ لَهُ فِيمَا إذَا كَانَ مَالًا وَاحِدًا وَكَذَا إذَا كَانَ مَالَيْنِ فَأَكْثَرَ.
(٣) قِيلَ: تَمْلِيكُ مَالٍ وَبِذَلِكَ تَخْرُجُ الْإِبَاحَةُ وَتَخْرُجُ أَيْضًا الْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ وَالْمُهَايَأَةُ الزَّمَانِيَّةُ وَالْمَكَانِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَيَخْرُجُ أَيْضًا فَرَاغُ الْمُسْقَفَاتِ وَالْمُسْتَغِلَّاتِ الْوَقْفِيَّةِ (عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْفَرَاغَ فِيهِمَا هُوَ إيجَارٌ) .
الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالْهِبَةِ قَدْ أَخْرَجَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ تَعْرِيفِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالْهِبَةِ ثَلَاثَةُ فُرُوقٍ: (١) فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةِ فَالْهِبَةُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَهِيَ إعْطَاءُ الْإِذْنِ بِأَكْلِ مَالٍ حَسَبَ تَعْرِيفِهَا الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (٨٣٦) فَعَلَيْهِ الْهِبَةُ تَخْتَلِفُ عَنْ الْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةِ.
(٢) فَرْقٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ فِي الْهِبَةِ تَزُولُ مِلْكِيَّةُ الْوَاهِبِ مِنْ الْمَوْهُوبِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَحُصُولِ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْإِبَاحَةِ لَا تَزُولُ مِلْكِيَّةُ الْمُبِيحِ مَا لَمْ يَأْكُلْهُ وَيَتَنَاوَلْهُ الْمُبَاحُ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute