للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمَوْهُوبُ مَعْلُومًا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِبَاحَةِ عِلْمُ الْمُبَاحِ لَهُ وَالْمُبَاحِ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِبَاحَةِ مَعْلُومِيَّةُ الشَّيْءِ الَّذِي أُبِيحَ كَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّةُ الْمُبَاحِ لَهُ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ: كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ مَالِي فَمَالِي حَلَالٌ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إبَاحَةً كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي الْمَادَّةِ (٨٧٥) (الْخَانِيَّةُ فِي فَصْلِ بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدْيُونِ) (وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ الْغَصْبِ) .

أَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: مَهْمَا أَخَذْت مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَك فَلَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ ذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ هِبَةٌ وَقَدْ صَرَّحَتْ الْمَادَّةُ (٨٥٨) بِعَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَانِيَّةِ (رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا أَكَلْت مِنْ مَالِي أَوْ أَخَذْت أَوْ أَعْطَيْت حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الطَّعَامِ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ فَإِنَّ مَنْ قَدَّمَ مَائِدَةً بَيْنَ قَوْمٍ حَلَّ لَهُمْ الْأَكْلُ مِنْهَا وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ) .

(٤) وَبِقَيْدٍ بِلَا عِوَضٍ يَخْرُجُ الْبَيْعُ وَالْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْقِسْمَةِ وَهِيَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (١١١٦) .

أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا. يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ اعْتِرَاضٌ بِصُوَرٍ أَرْبَعٍ تَحْتَاجُ لِلْإِجَابَةِ عَلَيْهَا: ١ - قَدْ وَرَدَ فِي التَّعْرِيفِ لَفْظُ الْمَالِ، وَالْمَالُ بِحَسَبِ تَعْرِيفِهِ الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (١٢٦) لَا يَشْمَلُ الدَّيْنَ وَيَخْرُجُ بِهَذَا التَّعْرِيفِ هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الْمَدْيُونِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ الْوَارِدُ ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ (٨٤٨) فَعَلَيْهِ يَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ لِإِفْرَادِهِ.

إنَّ الْمَالَ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ بِمَعْنَى الْمَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (٦٣١) وَهُوَ الْمَالُ حَالًا وَمَآلًا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَالِ الْأَعَمِّ فَحِينَئِذٍ صِحَّةُ التَّمْلِيكِ الْمَارِّ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (٨٤٨) تَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الْوَاجِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَحِينَمَا يَقْبِضُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَمْرِ يَكُونُ الْقَابِضُ قَابِضًا أَوَّلًا عَنْ الْوَاهِبِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ ثُمَّ يَكُونُ قَابِضًا بِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الدَّيْنُ وَقْتَ الْقَبْضِ عَيْنًا فَإِذَا عُمِّمَ التَّعْرِيفُ بِحَيْثُ يَشْتَمِلُ الْمَوْجُودَةَ حَالًا وَالْعَيْنُ الْمَوْجُودَةُ مَآلًا فَيَكُونُ صَحِيحًا أَيْ إنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ أَيْضًا (الدُّرَرُ وَشَرْحُهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَتِمُّ بَعْدَ الْقَبْضِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا.

٢ - يَخْرُجُ بِتَعْبِيرِ " الْمَالُ هِبَةُ الطَّاعَاتِ " مَعَ أَنَّ هِبَةَ الطَّاعَاتِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ إذْ وَرَدَ فِي الْهِنْدِيَّةِ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الصَّدَقَةِ مَا نَصُّهُ (رَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ دَعَا لَهُ فَإِنَّهُ يَصِلُ الثَّوَابُ إلَى الْمَيِّتِ وَإِذَا جَعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ جَازَ) .

ج - إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ الْمُعَرَّفَةِ هِيَ الْهِبَةُ بِالْمُعَامَلَاتِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ هِيَ الْهِبَةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ دُنْيَوِيَّةٌ أَيْ تَثْبُتُ بِهَا مِلْكِيَّةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَحَقُّ الْوَاهِبِ بِالرُّجُوعِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَهِبَةُ الطَّاعَاتِ لَمْ تَكُنْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَكَمَا أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ التَّعْرِيفِ فَهِيَ خَارِجَةٌ أَيْضًا عَنْ الْمُعَرَّفِ.

٣ - قَوْلُهُ: بِلَا عِوَضٍ يُخْرِجُ بِذَلِكَ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ الْوَارِدِ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (٨٥٥) فَلِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>