للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ الْهِبَةِ وَقَبْضِهَا:

يُفْهَمُ مِنْ مُطَالَعَةِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ يَحْتَوِي عَلَى مَسَائِلَ أُخْرَى غَيْرِ مُتَعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ الْهِبَةِ وَلِذَلِكَ أَصْبَحَ الْعِنْوَانُ أَخَصَّ مِنْ الْمُعَنْوَنِ.

(الْمَادَّةُ ٨٣٧) :

تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ.

تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَتِمُّ بِقَبْضِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَبْضًا كَامِلًا أَيْ بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ نَائِبِهِ وَمَعْنَى تَتِمُّ أَيْ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ هُمَا رُكْنُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ هُمَا رُكْنُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعُقُودِ الْأُخْرَى اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (٤٩١ و ٤٣٣) .

قُلْنَا: إنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ (وَقِيَامُ الْعَقْدِ يَكُونُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْغَيْرِ مَا لَمْ يَمْلِكْ مِنْ طَرَفِهِ لِلْغَيْرِ وَيُوجِبُ الْمَالِكُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ إيجَابَ الْهِبَةِ هُوَ إلْزَامُ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ وَلَا إلْزَامَ بِدُونِ قَبُولٍ (الْكِفَايَةُ وَالْقُهُسْتَانِيُّ) .

وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُلْزَمَ بِهِ فِيهِ فَائِدَةُ الْمُلْزَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكًا لِآخَرَ بِدُونِ رِضَاءِ ذَلِكَ الْآخَرِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (١٦٧) .

اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي رُكْنِ الْهِبَةِ وَأَدِلَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ: إنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ وَأَمَّا الْقَبُولُ فَلَا يُعَدُّ رُكْنَ الْهِبَةِ رَغْمًا عَنْ أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّنِي لَا أَهَبُ مَالِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَبَ مَالًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْ أَوْجَبَ الْهِبَةَ يَحْنَثُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ (النِّهَايَةُ) .

كَذَلِكَ إذَا حَلَفَ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ لِفُلَانٍ وَبَعْدَ حَلِفِهِ أَوْجَبَ الْهِبَةَ لَهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ فَلَا يَحْنَثُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ رُكْنَ الْهِبَةِ وَكَانَ الْقَبُولُ رُكْنًا فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِعَدَمِ قَبُولِ الْإِيجَابِ وَلَوَجَبَ أَنْ لَا يُعَدَّ الْوَاهِبُ حَانِثًا بِيَمِينِهِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ بِإِنَّنِي لَا أَبِيعُ فُلَانًا مَالًا ثُمَّ بَعْدَ حَلِفِهِ أَوْجَبَ مَالَهُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَلَا يَكُونُ الْمُوجِبُ حَانِثًا (النِّهَايَةُ) . وَتَكُونُ الْهِبَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ (الْعِنَايَةُ) حَتَّى أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>