الْقُهُسْتَانِيَّ قَدْ ذَكَرَ بِكَوْنِ الْقَبُولِ لَيْسَ رُكْنًا هُوَ قَوْلُهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ مَالًا فِي الطَّرِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِلْكٌ لِمَنْ يَأْخُذُهُ فَهُوَ جَائِزٌ أَمَّا (ابْنُ الْهُمَامِ) فَقَدْ قَالَ: إنَّ الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ رُكْنٌ قِيَاسًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا اسْتِحْسَانًا.
تَسْيِيبُ الدَّابَّةِ إذَا تَخَلَّى شَخْصٌ عَنْ حَيَوَانِهِ وَتَرَكَهُ حَبْلُهُ عَلَى غَارِبِهِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ عَاطِلًا وَغَيْرَ نَافِعٍ وَأَخَذَهُ آخَرُ فَأَصْلَحَهُ ثُمَّ قَامَ صَاحِبُهُ مُطَالِبًا بِهِ يُنْظَرُ فَإِذَا قَالَ صَاحِبُهُ حِينَ تَرْكِهِ لِلْحَيَوَانِ: فَلِيَأْخُذْهُ مَنْ يُرِيدُهُ، فَيُصْبِحُ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِلْكًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ الْقَبْضِ يَصِيرُ مَعْلُومًا سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ غَائِبًا حِينَمَا تَكَلَّمَ صَاحِبُ الْحَيَوَانِ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَعَلِمَ بِهِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ أَمْ كَانَ حَاضِرًا حِينَ قَالَ ذَلِكَ وَسَمِعَ الْكَلَامَ بِأُذُنِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ الْحَيَوَانِ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ قَالَ حِينَ تَرْكِهِ إيَّاهُ: إنَّنِي لَا أُرِيدُهُ بَعْدَ الْآنَ وَكَذَا لَوْ قَذَفَ شَخْصٌ بِثَوْبِهِ إلَى الْخَارِجِ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُهُ حِينَ تَرْكِهِ إيَّاهُ: إنَّنِي لَا أُرِيدُهُ بَعْدَ الْآنَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُهُ حِينَ قَذَفَهُ فَلْيَأْخُذْهُ مَنْ أَرَادَهُ (الْخَانِيَّةُ) وَيَتَحَقَّقُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي يُقِيمُهَا الشَّخْصُ الَّذِي الْتَقَطَ ذَلِكَ الْمَالَ وَأَصْلَحَهُ أَوْ بِنُكُولِ صَاحِبِ الْمَالِ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ لَدَى اسْتِحْلَافِهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَاب الثَّالِثِ) .
أَمَّا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ فَيَقُولُ بِأَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَرُكْنِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَأَنَّ الْإِيجَابَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ وَقِيَامُ الْعَقْدِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْغَيْرِ بِدُونِ تَمْلِيكِهِ، وَإِلْزَامَ الْمِلْكِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَكُونُ بِدُونِ قَبُولِهِ (الْفَتْحُ) أَمَّا حِنْثُ حَالِفِ الْيَمِينِ بِعَدَمِ الْهِبَةِ فِي حَالَةِ إيجَابِهِ الْهِبَةَ هُوَ لِأَنَّ الْحَالِفَ لِلْيَمِينِ يَكُونُ قَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي فِي وُسْعِهِ أَيْ الْإِيجَابِ إذْ إنَّ الْقَبُولَ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ (الْكِفَايَةُ) إلَّا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ شَخْصٌ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ ثُمَّ أَوْجَبَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْحَلِفِ لَا يَحْنَثُ وَالْحَالُ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُعَدَّ حَانِثًا حَسَبَ هَذَا الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ لَهُ فِي كُلِّ عَقْدٍ هُوَ الْإِيجَابُ لِلْقَبُولِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (الْفَتْحُ) .
وَكَذَلِكَ يُفَرَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ فِي الْهِبَةِ وَبَيْنَ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ.
الْقَوْلُ الَّذِي قَبِلَتْهُ الْمَجَلَّةُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ: الْهِبَةُ تَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، أَنَّهَا اعْتَبَرَتْ كِلَا الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ رُكْنَ الْهِبَةِ.
وَتَتَفَرَّعُ بَعْضُ مَسَائِلَ عَلَى انْعِقَادِ الْهِبَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ:
١ - مَسْأَلَةٌ: لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِوَعْدِ الْهِبَةِ مَثَلًا لَوْ وَعَدَ شَخْصٌ آخَرَ قَائِلًا لَهُ: إنَّنِي سَأَهَبُك مَا فِي ذِمَّتِك مِنْ الدَّيْنِ لِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَهَبْهُ إيَّاهُ فَلَا يُجْبَرُ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَلَى الْهِبَةِ لِلْوَعْدِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ إذْ لَيْسَ لِلْوَعْدِ مِنْ حُكْمٍ " الْبَهْجَةُ وَعَلِيٌّ أَفَنْدِي.
٢ - مَسْأَلَةٌ: لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: إنَّنِي وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ إلَّا أَنَّك لَمْ تَقْبَلْهُ، وَعَجَزَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْ إثْبَاتِ قَبُولِ الْهِبَةِ فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ " الْهِنْدِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ مُنْكِرٌ لِلْهِبَةِ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ مُدَّعٍ بِهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٧٦) .
إيضَاحَاتٌ فِي حَقِّ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute