ثَانِيًا: إنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ بِلَا أَمْرِ الْبَائِعِ فَأَصْبَحَ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ فَوَهَبَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الْمَقْبُوضَ لِلْمُشْتَرِي (الْفَتْحُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْبُوضُ بِالْغَصْبِ.
ثَالِثًا: لَيْسَ بَعِيدًا أَنْ تَكُونَ نَفْسُ الْهِبَةِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ اقْتِضَاءً يَعْنِي إذَا وَهَبَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ بِهَذِهِ الْهِبَةِ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ هِبَةً.
وَالْحَاصِلُ: إنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ فِي الْأَمْوَالِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَفِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّاحِقِ أَيْ إنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ أَعْلَى وَأَقْوَى مِنْ الْقَبْضِ اللَّاحِقِ اللَّازِمِ فِي الْهِبَةِ (الْكِفَايَةُ وَأَبُو السُّعُودِ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي - الْقَبْضُ الْمَضْمُونُ بِغَيْرِهِ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ الْمَضْمُونِ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ الْمَضْمُونِ بِالدَّيْنِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٩٣) مَعَ اللَّاحِقَةِ الَّتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٤١) .
وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقَبْضِ قَدْ اخْتَلَفَتْ الْكُتُبُ الْفِقْهِيَّةُ فِي قِيَامِهِ مَقَامَ قَبْضِ الْهِبَةِ وَإِنَّنَا نَنْقُلُ هُنَا الْمَسَائِلَ الَّتِي تُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَنَتْرُكُ تَرْجِيحَهَا لِأَهْلِ الِاقْتِدَارِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ وَالتَّبْيِينُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَابِضِ اللَّازِمِ فِي الْهِبَةِ أَمَّا الْكِفَايَةُ وَجَوَاهِرُ الْفِقْهِ وَالْمُجْتَبَى فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ الثَّانِيَ مِنْ الْقَبْضِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّازِمِ فِي الْهِبَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ جَدِيدٍ (نُقُولُ الْبَهْجَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْقَبْضِ الْمُوجِبَةِ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ بَرَاءَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْهِبَةِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَجْدِيدِ قَبْضٍ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْقَبْضُ الْجَدِيدُ عِبَارَةٌ عَنْ مُرُورِ وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بُلُوغَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ، الْعِنَايَةُ، الطَّحْطَاوِيُّ) . وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (٢٧٠) .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: قَبْضُ الْأَمَانَةِ كَقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّة وَالْمَأْجُورِ وَالْمَالِ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّتَيْنِ (٧٧٧ و ٨١٣) لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَوْهُوبِ عَلَى مَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٨٧١) غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ أَيْضًا وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْضُ أَمَانَةٍ بِنَاءً عَلَيْهِ فَهَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَيْضًا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ (الزَّيْلَعِيّ) .
(س) لَمَّا كَانَ وَضْعُ يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ فَأَصْبَحَ الْمُسْتَوْدَع نَائِبًا لِلْمُودِعِ فِي يَدِهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَحِفْظِهِ لَهُ وَعَامِلًا لَهَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقُومَ هَذَا الْقَبْضُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّازِمِ فِي الْهِبَةِ وَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ قَدْ وُهِبَ وَهُوَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ.
الْجَوَابُ: إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِلْمُودِعِ وَإِنَّ يَدَ الْمُسْتَوْدَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ وَلَكِنْ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِلْمُودِعِ وَبِمَا أَنَّهُ وَاضِعٌ يَدَهُ بِنَاءً عَلَى الْوَدِيعَةِ حَقِيقَةً يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَابِضًا (الزَّيْلَعِيّ) .
حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَ هِبَةِ الْوَدِيعَةِ لِذِي الْيَدِ إذَا ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ: