عِوَضٌ، يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا اللَّفْظِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْعِوَضُ الْمَذْكُورُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ كَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ شَعِيرًا وَالْعِوَضُ شَعِيرًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الرِّبَا (الْعِنَايَةُ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِبَدَلٍ حَقِيقَةً إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ بِالْأَقَلِّ لِلرِّبَا، يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مَالِكٌ لِلْهِبَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يُعْطِي بَدَلَ مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُعْطِي عِوَضَهُ لِيُسْقِطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ كَأَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ شَعِيرًا وَالْعِوَضُ حِنْطَةً أَوْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ حِنْطَةً وَالْعِوَضُ دَقِيقًا مِنْ تِلْكَ الْحِنْطَةِ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ كَقَبْضِهِ وَإِفْرَازِهِ عَنْ مَالِ الْمُعَوِّضِ فَإِنْ عَوَّضَهُ ثَمَرًا عَلَى شَجَرَةٍ لَا يَتِمُّ حَتَّى يُفْرِزَهُ وَعَدَمِ، شُيُوعٍ وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجَّانًا وَيَسِيرًا (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَيَلْزَمُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ لِيَكُونَ هَذَا الْعِوَضُ مَانِعًا لِلرُّجُوعِ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعِوَضَ بِلَفْظٍ يَعْلَمُ بِهِ الْوَاهِبُ أَنَّهُ أَعْطَى عِوَضًا عَنْ هِبَتِهِ كَقَوْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلْوَاهِبِ: خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ ثَوَابًا لِهِبَتِك وَمَا مَاثَلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ (مُنْلَا مِسْكِينٍ وَالزَّيْلَعِيّ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِحَقِّ الرُّجُوعِ هُوَ الْعِوَضُ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِرِضَا الْوَاهِبِ (الزَّيْلَعِيّ) وَيَلْزَمُ فِي الرِّضَا الْعِلْمُ وَقَدْ أَشَارَتْ الْمَجَلَّةُ إلَى ذَلِكَ فِي مِثَالِهَا الْآتِي الذِّكْرِ بِقَوْلِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عِوَضًا. فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا لِآخَرَ وَبَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ الْآخَرُ وَهَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَيْضًا لِلْوَاهِبِ شَيْئًا وَلَمْ يَقُلْ كَلَامًا كَقَوْلِهِ: هُوَ عِوَضٌ لِهِبَتِكَ فَبِمَا أَنَّهَا تَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَلِلِاثْنَيْنِ حَقٌّ فِي الرُّجُوعِ (الْهِدَايَةُ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّابِعِ) . وَفِي الْجَوْهَرَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْفِي الْعِلْمُ بِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ هِبَتِهِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ غَيْرَ الْمَوْهُوبِ يَعْنِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُعْطَى فِي مُقَابِلِ الْهِبَةِ عِوَضًا غَيْرَ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ وَعَلَيْهِ إذَا وُجِدَ فِي الْعِوَضِ الْمَذْكُورِ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ تُفْسَخُ الْهِبَةُ فِي الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ وَبِذَلِكَ لَا يَكُونُ عِوَضًا حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ الْعِوَضُ الْمَذْكُورُ مَانِعًا لِلرُّجُوعِ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى وَالْأَنْقِرْوِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي كُلِّ الْمَوْهُوبِ وَوُصُولُ بَعْضِ الْمَوْهُوبِ إلَى يَدِ الْوَاهِبِ بِاسْمِ الْعِوَضِ لَا يَسْقُطُ، حَقُّهُ، فِي الرُّجُوعِ بِبَاقِي الْمَوْهُوبِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ زُفَرَ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَوْهُوبِ عِوَضًا (الزَّيْلَعِيّ) .
كَذَا لَوْ أُعْطِيت غُرْفَةٌ مِنْ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ عِوَضًا فَلَا تَكُونُ مَانِعَةً فِي الرُّجُوعِ. كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ حِصَانًا وَفَرَسًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مَعًا وَسَلَّمَهُ إيَّاهُمَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الْحِصَانَ عِوَضًا لِلْفَرَسِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا لِلرُّجُوعِ وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْفَرَسِ أَيْضًا.
فَعَلَيْهِ لَوْ شُرِطَ إعْطَاءُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ كَانَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ لَغْوًا وَلَا يَمْنَعُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مِنْ الرُّجُوعِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الشَّرْطِ مَسْأَلَتَانِ:
١ - لَوْ تَغَيَّرَ الْمَوْهُوبُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ عَنْ الْهِبَةِ فِيهِ فَجَعْلُ بَعْضِهِ عِوَضًا صَحِيحٌ كَأَنْ يَهَبَ الْوَاهِبُ عَشْرَ كَيْلَاتٍ حِنْطَةً وَيُسَلِّمَهَا وَيَطْحَنُ مِنْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ كَيْلَةً وَاحِدَةً وَيَجْعَلَهَا دَقِيقًا ثُمَّ يُعْطِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute