لِلْوَاهِبِ عِوَضًا صَحَّ ذَلِكَ وَسَقَطَ حَقُّ رُجُوعِ الْوَاهِبِ كَذَلِكَ لَوْ وُهِبَ، أَحَدٌ ثَوْبَيْنِ وَسَلَّمَهُمَا وَأَعْطَى الْوَاهِبَ، أَحَدَهُمَا بَعْدَ أَنْ صَبَغَهُ أَوْ خَاطَهُ كَانَ صَحِيحًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْخَانِيَّةُ فِي فَصْلٍ فِي الْعِوَضِ وَالْهِنْدِيَّةُ) .
٢ - إذَا كَانَ عَقْدُ الْهِبَةِ مُتَعَدِّدًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ فِي عَقْدٍ عِوَضًا لِلْمَوْهُوبِ فِي عَقْدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَقْدِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) فَلَوْ وَهَبَ أَحَدٌ حِصَانًا بِعَقْدٍ وَفَرَسًا بِآخَرَ لِأَحَدٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُمَا فَأَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الْفَرَسَ عِوَضًا لِلْحِصَانِ أَوْ الْحِصَانَ عِوَضًا لِلْفَرَسِ كَانَ صَحِيحًا.
كَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ مَالًا مِنْ آخَرَ هِبَةً وَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ نَفْسِهِ مَالًا آخَرَ صَدَقَةً وَأَعْطَى الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ صَدَقَةً عِوَضًا لِلْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ هِبَةً كَانَ صَحِيحًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّابِعِ) كَذَلِكَ لَوْ وُهِبَتْ فَرَسٌ فَوَلَدَتْ وَهِيَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمُهْرَ لِلْوَاهِبِ عِوَضًا عَنْ الْمَوْهُوبِ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْوَلَدِ فَصَحَّ الْعِوَضُ (التَّنْوِيرُ وَشَرْحُهُ لِلْعَلَائِيِّ) .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: لِلْوَاهِبِ سَلَامَةُ الْعِوَضِ.
فَعَلَيْهِ لَوْ ضُبِطَ الْعِوَضُ مِنْ يَدِ الْوَاهِبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَبِمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِوَضًا فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ كُلِّ هِبَتِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ مَوْجُودًا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَمْ يَحْدُثْ فِيهِ حَالٌ آخَرُ مَانِعٌ لِلرُّجُوعِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّابِعِ) .
أَمَّا إذَا ضُبِطَ بَعْضُ الْعِوَضِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَكَانَ الْعِوَضُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ مَشْرُوطٍ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ وَأَعَادَ الْوَاهِبُ الْقِسْمَ الْبَاقِيَ، مِنْ الْعِوَضِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ كُلِّ هِبَتِهِ. هَذَا إذَا لَمْ يَحْدُثْ حَالٌ مَانِعٌ لِلرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْوَاهِبِ حَقَّ رُجُوعِهِ نَاشِئٌ عَنْ بَقَاءِ كُلِّ الْعِوَضِ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ كُلُّ الْعِوَضِ سَالِمًا فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَوْهُوبِ بِرَدِّهِ بَاقِي الْعِوَضِ (الْعِنَايَةُ) . وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ إذَا لَمْ يُعِدْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بَاقِيَ، الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ بَاقِيَ، الْعِوَضِ هُوَ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ عِوَضَ ابْتِدَاءٍ وَلَمَّا كَانَ الْبَقَاءُ أَسْهَلَ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَالْبَقَاءُ أَيْضًا صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ عِوَضًا (الدُّرَرُ وَالْكَنْزُ وَالْعِنَايَةُ) .
وَإِذَا ضُبِطَ بَعْضُ الْعِوَضِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَحَدَثَ مَانِعٌ لِلرُّجُوعِ كَتَلَفِ الْمَوْهُوبِ أَوْ حُصُولِ زِيَادَةٍ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ شُرِطَ الْعِوَضُ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ حَقٌّ يُضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَلِفَ الْمَوْهُوبُ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لِلرُّجُوعِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٨٧١) لِاسْتِحَالَةِ الرُّجُوعِ وَشَرْطُ التَّعْوِيضِ أَوْ عَدَمُهُ فِي ذَلِكَ سِيَّانِ كَمَا أَنَّ حُصُولَ الزِّيَادَةِ هُوَ مَانِعٌ لِلرُّجُوعِ كَالتَّلَفِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٨٦٩) (الطَّحْطَاوِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ مَالًا وَسَلَّمَهُ وَبَعْدَ أَنْ أَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ أَيْضًا عِوَضًا وَتَلِفَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ حَصَلَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ ضُبِطَ الْعِوَضُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ تَضْمِينُ بَدَلِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَدْ أَتْلَفَ الْمَوْهُوبَ (عَبْدُ الْحَلِيمِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) أَمَّا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فِي أَثْنَاءِ عَقْدِ الْهِبَةِ فَيُوجَدُ حَقٌّ فِي التَّضْمِينِ. وَسَيُوَضَّحُ فِي الْآتِي:
إنَّ سَلَامَةَ الْمَوْهُوبِ الْمُعَوَّضِ شَرْطٌ فِي التَّعْوِيضِ أَيْضًا. فَعَلَيْهِ لَوْ ضُبِطَ كُلُّ الْمَوْهُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ أَنْ أُعْطِيَ عِوَضًا لَهُ فَكَمَا أَنَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعَ بِكُلِّ الْعِوَضِ فَلَوْ ضُبِطَ نِصْفُ الْمَوْهُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَالٌ سَالِمٌ فِي مُقَابِلِ