كَانَ لَبَنًا فَصُنِعَ جُبْنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ كَانَ بَيْضَةً فَصَارَتْ فَرْخًا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ حِينَئِذٍ وَالتَّغْيِيرُ الْأَخِيرُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ قَبِيلِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَوْهُوبِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ هَلَاكِ الْمَوْهُوبِ حُكْمًا فَعَلَيْهِ لَوْ ذُكِرَتْ فِقْرَةٌ كَأَنْ كَانَ حِنْطَةً وَطُحِنَتْ فِي الْمَادَّةِ (٨٧١) لَكَانَ أَنْسَبَ كَمَا أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمَادَّةِ (٨٩٩) مُقَابِلًا لِلْمَادَّةِ (٨٩٨) إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ الزِّيَادَةِ.
قِيلَ فِي الْمَجَلَّةِ (وَأَحْدَثَ بِنَاءً. . . إلَخْ) فَالْمَقْصُودُ هُوَ ذَلِكَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الَّتِي تُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْأَرْضِ. وَعَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ كَبِيرَةً وَأُحْدِثَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا وَأَوْجَبَ ذَلِكَ الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ تِلْكَ الْقِطْعَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ غَيْرِهَا فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَةِ تِلْكَ الْقِطْعَةِ (الْهِدَايَةُ، الطَّحْطَاوِيُّ) .
مَثَلًا: لَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ كُوخًا فِي الْأَرْضِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ أَشْجَارًا غَيْرَ ذَاتِ أَهَمِّيَّةٍ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ ازْدِيَادَ قِيمَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي أَيِّ قِسْمٍ مِنْهَا.
كَذَلِكَ لَوْ بَنَى فِي مَكَان غَيْرِ مُنَاسِبٍ تَنُّورًا مِنْ طِينٍ لِخَبْزِ الْخُبْزِ وَلَمْ يُوجِبْ الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ بِمَانِعٍ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ وَالزَّيْلَعِيّ) .
وَيُعْرَفُ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِزِيَادَةِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:
تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَرَّةً وَاحِدَةً خَالِيَةً مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَتُقَوَّمُ أُخْرَى عَلَى أَنَّ فِيهَا الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ.
فَإِذَا كَانَ تَفَاوُتٌ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَزْيَدَ فِي حَالِ وُجُودِ الْبِنَاءِ مَثَلًا يُفْهَمُ أَنَّ الْبِنَاءَ مُوجِبٌ لِلزِّيَادَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُمَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِلزِّيَادَةِ.
ثَانِيًا - لَوْ جَعَلَ الْحَمَّامَ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَارًا فَإِذَا كَانَ الْبِنَاءُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ فَلَيْسَ مَانِعًا لِلرُّجُوعِ أَمَّا إذَا حَصَلَتْ زِيَادَةٌ كَفَتْحِ بَابٍ وَتَطْيِينٍ فَهِيَ مَانِعَةٌ لِلرُّجُوعِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
ثَالِثًا - وَإِذَا نُقِلَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مِنْ مَكَانٍ لِآخَرَ وَأَوْجَبَ النَّقْلُ الْمَذْكُورُ الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةٍ الْمَوْهُوبِ وَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى مَئُونَة لِلنَّقْلِ فَذَلِكَ مَانِعٌ لِلرُّجُوعِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ لَكَانَ مُؤَدِّيًا إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْكِرَاءِ وَمُؤْنَةِ النَّقْلِ (الْأَنْقِرْوِيُّ، الشُّرُنْبُلَالِيُّ رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ) . أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فَلَيْسَ مَانِعًا لِلرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا كَانَتْ حَاصِلَةً فِي الْعَيْنِ فَهِيَ كَالزِّيَادَةِ فِي السِّعْرِ (الزَّيْلَعِيّ) .
رَابِعًا - لَوْ مَسَحَ الْمِرْآةَ الَّتِي اتَّهَبَهَا مِنْ الْغُبَارِ أَوْ كَسَرَ الْحَطَبَ الَّذِي اتَّهَبَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا لِلرُّجُوعِ (الْقُنْيَةِ، وَالْحَمَوِيُّ) .
خَامِسًا - إنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَا تُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ بَلْ تُوجِبُ النُّقْصَانَ لَيْسَتْ مَانِعَةً لِلرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَا تُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي الْقِيمَةِ هِيَ صُورِيَّةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ نُقْصَانٌ (الْفَتْحُ) لَوْ ظَهَرَ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي اتَّهَبَهُ أَحَدٌ وَقَبَضَهُ سِنٌّ شَاخِصَةٌ أَيْ خَارِجَةٌ عَنْ أَسْنَانِهِ فَوْقَ الْمُعْتَادِ فَلَا تُعَدُّ مَانِعَةً لِلرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ حَقِيقِيَّةٍ بَلْ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى النُّقْصَانِ. كَذَلِكَ الطُّولُ الْفَاحِشُ الْمُوجِبُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ لَيْسَ زِيَادَةً مَانِعَةً لِلرُّجُوعِ أَيْضًا. كَذَلِكَ لَوْ فَصَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُمَاشَ الْمَوْهُوبَ ثَوْبًا وَلَمْ يَخِطْهُ فَذَلِكَ لَيْسَ مَانِعًا لِلرُّجُوعِ (الطَّحْطَاوِيُّ، أَبُو السُّعُودِ) .