قَدْ مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ تَلْزَمُ فِي الْمَغْصُوبِ الْمُتْلَفِ قِيمَتُهُ فِي زَمَانِ الْغَصْبِ وَمَكَانِهِ إذَا كَانَ قِيَمِيًّا. سَوَاءٌ تَلَاقَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَعَ الْغَاصِبِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ أَوْ تَلَاقَيَا فِي بَلَدٍ آخَرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلَا يَتَبَدَّلُ الْحُكْمُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ الْهَالِكِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَلَدِ التَّلَاقِي. أَمَّا إذَا كَانَ الْمُتْلَفُ مِثْلِيًّا وَكَانَ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ عَلَى الْأَكْثَرِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فِي الصُّوَرِ السِّتِّ الْآتِيَةِ: الصُّورَةُ الْأُولَى: إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ أَكْثَرَ وَقِيمَتُهُ فِي بَلَدِ التَّلَاقِي وَالْخُصُومَةِ أَقَلَّ كَانَ الْمِثْلُ الْمُتْلَف مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ أَقَلَّ وَقِيمَتُهُ فِي بَلَدِ التَّلَاقِي وَالْخُصُومَةِ أَزْيَدَ يَكُونُ الْمِثْلِيُّ الْمُتْلَفُ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ وَتَلْزَمُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قِيمَتُهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا كَانَ الْمِثْلِيُّ مُنْقَطِعًا يَكُونُ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ.
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: كُلُّ مِثْلِيٍّ يَصِيرُ إتْلَافُهُ وَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَاكِ يَكُونُ ذَلِكَ الْمِثْلِيُّ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ أَيْضًا.
فَعَلَيْهِ لَوْ أَلْقَى أَحَدٌ الْحِنْطَةَ الَّتِي كَانَتْ تَحْمِلُهَا السَّفِينَةُ فِي الْبَحْرِ خَوْفًا مِنْ غَرَقِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمِثْلِيُّ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ إذْ لِتِلْكَ الْحِنْطَةِ قِيمَةٌ مَا لِاحْتِمَالِ تَخْلِيصِهَا.
الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ: لَوْ أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ.
الصُّورَةُ السَّادِسَةُ، لَوْ زَرَعَ أَحَدٌ فِي أَرْضِهِ حِنْطَةً عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٩٠٧) فَقَلَبَهَا آخَرُ تَغَلُّبًا وَزَرَعَ فِيهَا حِنْطَةً وَنَبَتَ الزَّرْعَانِ وَأُدْرِكَا فَكُلُّ الزَّرْعِ هُوَ لِذَلِكَ الْآخَرِ الْغَاصِبِ وَيَضْمَنُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قِيمَةَ حِنْطَتِهِ مَزْرُوعَةً فِي أَرْضِهِ. كَمَا سَيَتَّضِحُ ذَلِكَ فِي التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ لَزِمَ مِثْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ لَكِنْ فِيهِ وَجْهَانِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وُجُودُ الْغَاصِبِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ أَنْ يَرُدَّ الْغَاصِبُ مِثْلَ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَيَأْخُذَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ هُنَاكَ مِثْلَ الْمَغْصُوبِ أَيْضًا وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَقُولَ إنَّنِي أُعْطِيهِ قِيمَتَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَا آخُذُ مِثْلَهُ وَأُرِيدُ قِيمَتَهُ. يَعْنِي لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ وَقْتَ الِاسْتِهْلَاكِ أَزْيَدَ وَوَقْتَ الضَّمَانِ أَنْقَصَ أَنْ يَطْلُبَ قِيمَتَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ وَقْتَ الِاسْتِهْلَاكِ أَنْقَصَ وَوَقْتَ الضَّمَانِ أَزْيَدَ إنَّنِي أُعْطِيهِ الْقِيمَةَ. وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا. فَعَلَيْهِ إذَا أَخَذَ أَحَدٌ خَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ كَانَ يَحْفَظُهَا مُتَوَلِّي الْوَقْفِ تَغَلُّبًا مِنْ الْمُتَوَلِّي الْمَذْكُورِ وَاسْتَهْلَكَهَا فَلِذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ (الْفَتَاوَى الْجَدِيدَةُ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: وُجُودُ الْغَاصِبِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ وَمُخَاصَمَتُهُمَا هُنَاكَ. يُوجَدُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ثَلَاثُ صُوَرٍ:
١ - إذَا كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْمِثْلِيِّ وَاحِدَةً فِي الْبَلَدَيْنِ أَيْ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ وَبَلَدِ التَّلَاقِي وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى