للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَكَانَتْ النُّقُودُ الَّتِي أَخَذَهَا الْغَاصِبُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْمَالِ يَوْمَ الْغَصْبِ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ قَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ قَبْلًا فَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَقَطْ (التَّنْقِيحُ) . بِأَيِّ جِنْسٍ مِنْ النُّقُودِ تُقَدَّرُ الْقِيمَةُ؟ مَعَ أَنَّ الْمَجَلَّةَ لَمْ تَذْكُرْ بِأَيِّ جِنْسٍ تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ النَّقْدُ الْغَالِبُ. يَعْنِي أَنَّهَا تُقَوَّمُ بِذَهَبٍ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ يُبَاعُ فِي السُّوقِ بِذَهَبٍ وَبِفِضَّةٍ إذَا كَانَ يُبَاعُ بِفِضَّةٍ وَإِذَا كَانَ يُبَاعُ بِهِمَا فَبِالْأَنْفَعِ لِلْمَالِكِ وَإِذَا تُسَاوَيَا فِي النَّفْعِ فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ يَحْكُمُ بِمَا شَاءَ (عَبْدُ الْحَلِيمِ، الْبَزَّازِيَّةُ الْخَانِيَّةُ، الْبَاجُورِيُّ) . صُورَةُ تَقْدِيرِ الْقِيمَةِ: يَكْفِي إخْبَارُ عَدْلٍ وَاحِدٍ فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ (أَبُو السُّعُودِ فِي الشَّهَادَةِ) . ٢ - مِثْلُهُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ: قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْمِثْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٨٩٠) . يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إذَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ مِنْ السُّوقِ لَزِمَ مِثْلُهُ، وَيُطْلِقُ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى هَذَا أَيْ ضَمَانِ الْمِثْلِ، (الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ الْمَعْقُولِ) وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ (الْقَضَاءُ الْكَامِلُ) . وَيَثْبُتُ لُزُومُ الْمِثْلِ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ وَذَلِكَ هُوَ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَتَسْمِيَةُ هَذَا الضَّمَانِ بِالِاعْتِدَاءِ مَجَازٌ لِعَلَاقَةِ التَّضَادِّ. وَعَلَاقَةُ التَّضَادِّ، عِبَارَةٌ عَنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِضِدِّهِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] مَعَ أَنَّ الَّذِي يَتَرَتَّبُ مُقَابَلَةً عَلَى السَّيِّئَةِ لَيْسَ سَيِّئَةً بَلْ عُقُوبَةٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ كَانَ حَقُّ الْمَالِكِ ثَابِتًا صُورَةً وَمَعْنًى. فَفَوَّتَهُ الْغَاصِبُ صُورَةً وَمَعْنًى مَعًا. وَتُمْكِنُ مُرَاعَاةُ هَذَيْنِ بِإِيجَابِ الْمِثْلِ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِيجَابُ الْمِثْلِ أَعْدَلُ وَأَتَمُّ لِجَبْرِ الْفَائِتِ وَبِذَلِكَ قَدْ كَانَ الْمِثْلُ أَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ. مَثَلًا لَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ حِنْطَةَ أَحَدٍ فَيَكُونُ قَدْ أَضَاعَ الْغَاصِبُ حَقَّيْ الْمَالِكِ: أَوَّلُهُمَا، حَقَّهُ فِي الصُّورَةِ وَثَانِيهِمَا، حَقُّهُ فِي الْمَعْنَى أَيْ فِي الْمَالِيَّةِ. الْجَبْرُ التَّامُّ، يَكُونُ بِإِيجَابِ الْمِثْلِ عَلَى الْغَاصِبِ صُورَةً وَمَعْنًى (الزَّيْلَعِيّ الْعِنَايَةُ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) . حَتَّى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ عِنَبًا طَازَجًا وَاسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ أَرَادَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَهُ إيَّاهُ فِي الشِّتَاءِ وَكَانَ يُوجَدُ عِنَبٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَكِنْ لَيْسَ طَازَجًا عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ يَلْزَمُ أَخْذُ مِثْلِهِ وَلَيْسَ قِيمَتُهُ. وَإِذَا طَلَبَ عِنَبًا طَازَجًا فَعَلَيْهِ الِانْتِظَارُ إلَى مَوْسِمِ الْعِنَبِ الْأَنْقِرْوِيُّ وَبِمَا أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَخْتَلِفُ رَدَاءَةً وَجَوْدَةً يَلْزَمُ إعْطَاءُ الْجَيِّدِ مُقَابِلَ الْجَيِّدِ. وَلَا يَصِحُّ إعْطَاءُ الرَّدِيءِ فِي مُقَابِلِ الْجَيِّدِ وَبِهَذَا تَكُونُ قَدْ رُوعِيَتْ الْمُمَاثَلَةُ سَعْدِي جَلَبِي وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يُعْطِيَ عَنْ الْحِنْطَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُتْلَفَةِ مِنْ أَعْلَى جِنْسٍ جِنْسًا أَدْنَى فَلَا يُجْبَرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْقَبُولِ. يُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ الْمُتْلَفُ بِالْقِيمَةِ أَحْيَانًا:

<<  <  ج: ص:  >  >>