أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فَتَلْزَمُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ مِثْلُهُ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ. وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَتَلْزَمُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ. لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالذِّمَّةِ هُوَ الْمِثْلُ وَإِنَّمَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ. وَقَدْ جُمِعَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ بِالْمَنْظُومَةِ الْآتِيَةِ:
وَلَوْ غَصَبَ الْمِثْلَ ثُمَّ انْصَرَمَا ... فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ اخْتَصَمَا
وَيَوْمَ غَصْبِ الْعَيْنِ عِنْدَ الثَّانِي ... وَحَالَةُ الْفَقْدِ لَدَى الشَّيْبَانِيُّ
" أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ " وَقَدْ رَجَحَ كُلٌّ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ أَمَّا فِي الْبَهْجَةِ فَقَدْ أُفْتِيَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْهِنْدِيَّةُ) وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَحَمَّلَ الْغَاصِبُ مَشَقَّةً وَأَحْضَرَ مِثْلَهُ حَالَ الِانْقِطَاعِ يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى قَبُولِهِ (الْجَوْهَرَةُ فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ) . وَقَدْ شُوهِدَ فِي مَسْأَلَةِ الِانْقِطَاعِ هَذِهِ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَضْمُونٌ أَيْضًا بِالْقِيمَةِ فَعَلَيْهِ إذَا أُرِيدَ الْحُكْمُ بِإِعْطَاءِ الْمِثْلِ بِسَبَبِ وُجُودِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ التَّحَقُّقِ مِنْ وُجُودِ ذَلِكَ الْمِثْلِ فِي الْحَالِ أَيْ وُجُودِهِ فِي الْأَسْوَاقِ حِينَ الْحُكْمِ وَأَنْ يُصَرِّحَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ فِي إعْلَامِ الْحُكْمِ الَّذِي يُنَظِّمُهُ الْقَاضِي وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلُ ثُمَّ وُجِدَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صَاحِبُ الْمَالِ الدَّعْوَى بِطَلَبِ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ وَقَبْلَ الْحُصُولِ عَلَى الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ يَجِبُ إعْطَاءُ الْمِثْلِ أَيْضًا أَمَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ بِنَاءً عَلَى انْقِطَاعِهِ ثُمَّ وُجِدَ الْمِثْلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُؤْخَذُ الْمِثْلِيُّ بَلْ تُؤْخَذُ الْقِيمَةُ عَبْدُ الْحَلِيمِ وَكَمَا أَنَّ الْمِثْلِيَّ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِنَاءً عَلَى الِانْقِطَاعِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ ثَالِثًا، فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا أَنَّهُ رَابِعٌ، فَعَلَيْهِ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ يَصِيرُ إتْلَافُهُ حِينَمَا يَكُونُ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ، أَيْ يَكُونُ مُعَرَّضًا لِخَطَرِ التَّلَفِ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْ فِي زَمَنِ الْإِتْلَافِ. فَإِنَّ لَهُ قِيمَةً وَإِنْ قُلْت لِاحْتِمَالِ النَّجَاةِ، وَالْمِثْلِيُّ يَخْرُجُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ لِمَعْنًى خَارِجٍ ثُمَّ هَذَا إذَا أُلْقِيَ بِلَا إذْنٍ وَاتِّفَاقٍ وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي آخِرِ قِسْمَةٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مَثَلًا لَوْ هَبَّتْ الرِّيَاحُ فِي الْبَحْرِ وَأَشْرَفَتْ السَّفِينَةُ عَلَى الْغَرَقِ فَأَلْقَى رُبَّانُهَا مَا فِيهَا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَشْحُونَةِ فِي الْبَحْرِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ: إذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ كَانَ ضَامِنًا قِيمَتَهَا لِأَنَّ الْخَمْرَ قِيَمِيٌّ حُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُنِعَ مِنْ تَمْلِيكِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ إعْزَازٌ لَهَا (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الصُّورَةُ السَّادِسَةُ: قَدْ صَارَ إيضَاحُهَا آنِفًا فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ.
صُورَةُ الْمُحَاكَمَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْغَصْبِ وَصُورَةُ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ: يُبَيَّنُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: صُورَةُ الْمُحَاكَمَةِ وَالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِالْغَصْبِ وَصُورَةُ حَلٍّ وَفَصْلٍ لِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَعِنْدَمَا يَدَّعِي الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَصْبَ يَسْأَلُ الْحَاكِمُ الْغَاصِبَ فَإِنْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ أَلْزَمَهُ.
مَثَلًا لَوْ ادَّعَى مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ فَرَسًا وَصْفَهُ كَيْتَ وَكَيْتَ وَأَنَّهُ تَلَفَ فِي يَدِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute