شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ ضَمَانُ الشَّاةِ وَالْعَرْصَةِ عَلَى حِدَةٍ. كَذَلِكَ إذَا أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْبَقَرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا تَغَلُّبًا وَأَخَذَ لَبَنَهَا مُسْتَقِلًّا وَنَتَجَتْ الْبَقَرُ وَهِيَ فِي يَدِهِ فَلِلشَّرِيكِ الثَّانِي أَخْذُ حِصَّتِهِ مِنْ الْبَقَرِ وَمَنْ نَتَائِجِهَا كَمَا أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ حِصَّتِهِ مِنْ اللَّبَنِ أَيْضًا (الْفَتَاوَى الْجَدِيدَةُ) . وَتَعْبِيرُ الِاسْتِهْلَاكِ فِي الْمِثَالِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّلَفِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَمِنْ دُونِ مَنْعٍ بَعْدَ طَلَبٍ.
فَإِذَا تَلِفَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ. يَعْنِي تَكُونُ الزَّوَائِدُ الْمَذْكُورَةُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ لِأَنَّ الْغَصْبَ هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِصُورَةٍ تُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ وَبِمَا أَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الزَّوَائِدِ الْمَذْكُورَةِ فَلَيْسَ فِي إمْكَانِ الْغَاصِبِ إزَالَتُهَا (الْهِدَايَةُ، الْبَهْجَةُ) . سُؤَالٌ، وَمَعَ أَنَّ مُفَادَ هَذَا الدَّلِيلِ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَتْ الْفَرَسُ وَقْتَ الْغَصْبِ حَامِلًا، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْحَمْلِ، فَمَا السَّبَبُ فِي عَدِّهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ؟ الْجَوَابُ، لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مَالًا فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ (الْعَيْنِيُّ وَالْجَوْهَرَةُ) . أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً. لِأَنَّ الْغَصْبَ عِنْدَ هَذَا الْإِمَامِ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهِ. وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَاشِئٌ عَنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٨٨١) وَشَرْحَهَا (الْكِفَايَةُ، وَالْهِدَايَةُ) . كَذَا لَوْ أَعَارَ الْحَيَوَانَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لِأَحَدٍ لِيَرْكَبَهُ فَرَكِبَهُ وَوَضَعَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ حَمْلَهُ قَبْلَ وَقْتِ الْوَضْعِ وَنَقَصَتْ قِيمَةُ الْحَيَوَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَتَلِفَ الْفَلُوُّ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَيَضْمَنُ نُقْصَانَ قِيمَةِ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ تَضْمِينُ قِيمَةِ الْفَلُوِّ لِشَرِيكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ تَلَفُهُ بِتَعَدِّي الشَّرِيكِ أَوْ حَصَلَ امْتِنَاعٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ إيَّاهُ بِمَدِّ الطَّلَبِ (التَّنْقِيحُ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبَ أَحَدٌ خَلِيَّةَ نَحْلٍ مَعَ نَحْلِهَا وَاسْتَرَدَّهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَأْخُذُ أَيْضًا بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٨٩٠) الْعَسَلَ الَّذِي حَصَلَ عِنْدَ الْغَاصِبِ. وَيَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي اسْتِرْدَادِ الْخَلِيَّةِ مَعَ نَحْلِهَا. لِأَنَّ النَّحْلَ وَالْخَلِيَّةَ الْمَذْكُورَيْنِ هُمَا مَالٌ لِمَنْ أَحْرَزَهُمَا وَحَتَّى أَنَّ لَهُ بَيْعَهُمَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ: هُوَ أَنَّ النَّحْلَ وَالْعَسَلَ كِلَاهُمَا مُحْرَزَانِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَمَّا فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ فَلَيْسَ النَّحْلُ مُحْرَزًا وَلَا مَمْلُوكًا بِخِلَافِ الْعَسَلِ فَهُوَ مُحْرَزٌ وَمَمْلُوكٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعٌ لِلْمَادَّةِ (٨٩٠) لَكِنَّ ذِكْرَهَا هُنَا إنَّمَا هُوَ لِلْإِشْعَارِ بِكَوْنِ النَّحْلِ مُحْرَزًا وَمَمْلُوكًا. إذْ إنَّهُ لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ خَلِيَّةً فِي مَحِلٍّ لِيَجْتَمِعَ فِيهَا النَّحْلُ فَاجْتَمَعَ فِي الْخَلِيَّةِ نَحْلٌ فَالنَّحْلُ لِصَاحِبِ الْخَلِيَّةِ (الْفَيْضِيَّةُ) . وَقَدْ جُعِلَ لِلْمَغْصُوبِ فِيهَا حَقُّ أَخْذِ الْعَسَلِ الَّذِي يَحْصُلُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لِأَنَّ الْعَسَلَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (١٣٠٦) هُوَ مِلْكٌ لِصَاحِبِ النَّحْلِ وَإِنَّ هَذَا الْمِثَالَ هُوَ الْمِثَالُ الْحَقِيقِيُّ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute