للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْدَاثِهِ يُنْظَرُ، فَإِذَا كَانَ مُضِرًّا بِالْعَامَّةِ يُهْدَمُ وَيُرْفَعُ.

مَثَلًا: لَوْ أَنْشَأَ طَفَفًا وَاطِئًا بِحَيْثُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ أَوْ دَرَجًا مِنْ الْحِجَارَةِ فِي قِسْمٍ مِنْ الزُّقَاقِ فَضَاقَ بِهِ الزُّقَاقُ يُهْدَمُ.

أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا بِالْعَامَّةِ وَكَانَتْ دَارُهُ عَلَى جَانِبَيْ الطَّرِيقِ وَعَمِلَ جِسْرًا لِلْوَصْلِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ فِي مَكَان عَالٍ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْمُرُورِ؛ فَيُهْدَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَيْضًا، وَلَا يُهْدَمُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.

وَقَدْ اخْتَارَتْ الْمَجَلَّةُ قَوْلَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي الْمَادَّةِ (١٢١٣) وَعَلَيْهِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَادَّةُ قَائِلَةً بِعَدَمِ جَوَازِ رَفْعِ الْمُحْدَثَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مُضِرَّةً بِالْعَامَّةِ.

وَتَفْصِيلَاتُ ذَلِكَ هِيَ:

اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ: قَدْ وَقَعَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي جَوَازِ إحْدَاثِ أَشْيَاءَ كَالْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ والجرصن وَفِي الْجُلُوسِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَيَجُوزُ إحْدَاثُ أَمْثَالِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ تَحْتَ شَرْطَيْنِ: أَوَّلِهِمَا أَنْ لَا تَكُونَ مُضِرَّةً بِالْعَامَّةِ.

وَثَانِيهِمَا: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ مُنِعَ مِنْ إحْدَاثِهَا وَعَلَيْهِ: إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ مُضِرًّا فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يُمْنَعْ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ بَعْدَ مَنْعِهِ.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا حَتَّى إنَّهُ يَأْثَمُ لَوْ أَحْدَثَهُ وَأَبْقَاهُ وَانْتَفَعَ بِهِ.

وَلَمَّا كَانَ قَدْ مُنِعَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ الْإِحْدَاثُ بِلَا إذْنٍ فَلَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ بَعْدُ سَوَاءٌ أَكَانَ مُضِرًّا أَمْ غَيْرَ مُضِرٍّ وَكَمَا أَنَّهُ حَاوَلَ الْإِحْدَاثَ فَلِكُلٍّ حَقُّ مُمَانَعَتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُضِرًّا أَمْ لَمْ يَكُنْ، فَلَوْ أَحْدَثَهَا أَحَدٌ مُنْتَهِزًا فُرْصَةً مَا فَلِكُلٍّ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِبَعْضِهَا وَرَفْعِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْهَا ضَرَرٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ بِالْعَامَّةِ كَالطَّرِيقِ الْعَامِّ لَمَّا كَانَ عَائِدًا إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ فَلِكُلٍّ الْمُخَاصَمَةُ مَعَ آخِذِ هَذَا الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: كُلُّ أَحَدٍ، أَيْ: كُلُّ حُرٍّ بَالِغٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ غَيْرَ مُسْلِمٍ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى.

إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَلَّا يَكُونَ لِلشَّخْصِ الْمُدَّعِي بِدَعْوَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُحْدَثَاتٌ كَهَذِهِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ.

وَإِذَا كَانَ لَهُ مُحْدَثَاتٌ تُعَدُّ دَعْوَاهُ تَعَنُّتًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ؛ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ.

إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُطْلَبُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ النَّاهِي مُتَبَاعِدًا عَنْهُ هَذَا الشَّرْطُ وَالْقَيْدُ فَلِمَنْ كَانَ لَهُ مُحْدَثَاتٌ كَهَذِهِ حَقُّ الِادِّعَاءِ أَيْضًا.

أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ إحْدَاثِ الْمُحْدَثَاتِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُضِرًّا أَمْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِنَقْضِهِ بَعْدَ إحْدَاثِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا.

وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ الْمُخَالَفَةِ وَلَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِنَقْضِهِ أَيْضًا.

وَظَاهِرُ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ الْمَجَلَّةِ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلَكِنَّ الْمَادَّةَ (١٢١٣) كَانَتْ قَدْ اخْتَارَتْ قَوْلَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ قَبُولَ قَوْلِهِ (التَّنْوِيرُ، الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) اسْتِثْنَاءٌ: لِكُلٍّ أَنْ يُلْقِيَ الثَّلْجَ الَّذِي فِي بَيْتِهِ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ بِسَبَبِ عُمُومِ الْبَلْوَى.

فَعَلَيْهِ: لَوْ زَلَقَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَحَدُ الْمَارَّةِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فَلَا يَضْمَنُ.

(اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٩١) (الْخَانِيَّةُ) قِيلَ فِي الْمَجَلَّةِ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ؛ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ الْمُنَازَعَةِ أَوْ الْأَبْنِيَةِ السَّارِي

<<  <  ج: ص:  >  >>