للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ لَيْسَ مُمْكِنًا؛ إذْ قَدْ يُقْدِمُ الْمَحْجُورُ أَحْيَانًا كَثِيرَةً عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْقَوْلِ بِالرَّغْمِ مِنْ الْمَنْعِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْعُ حُكْمِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ الثُّبُوتِ أَوْ مَنْعُ نَفَاذِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ أَيْ أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ فَلَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِهِ.

٣ - الْمَنْعُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ ضِدُّ الْإِعْطَاءِ.

الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْمَنْعُ مِنْ نَفْسِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ وَأَصْلُهُ، وَقَدْ وَضَحَ مَنْعُ النَّفْسِ آنِفًا وَهُوَ كَمَنْعِ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ مِنْ التَّصَرُّفِ.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْحَجْرِ أَقْوَى أَنْوَاعِهِ.

مَثَلًا: قَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّتَيْنِ ٩٦٦ و ٩٧٩ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ الْقَوْلِيَّةَ بَاطِلَةٌ وَلَا تَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ نَافِعَةً لَهُمَا وَأَجَازَهَا وَلِيَّاهُمَا كَمَا لَوْ وَهَبَ الصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مَالَهُ لِآخَرَ أَيْ: لَوْ كَانَ تَصَرُّفُهُ ضَرَرًا مَحْضًا لَهُ يُمْنَعُ مِنْ إجْرَائِهِ وَلَا يَجُوزُ هَذَا التَّصَرُّفُ أَيْضًا وَلَوْ لَحِقَتْهُ الْإِجَازَةُ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْمَنْعُ مِنْ لُزُومِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ وَنَفَاذِهِ وَذَلِكَ كَبَيْعِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ الْمَحْجُورِ مَالًا مِنْ آخَرَ.

وَهَذَا النَّوْعُ يُدْعَى بِالْحَجْرِ الْمُتَوَسِّطِ (الْقُهُسْتَانِيُّ) وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (٩٦٧) أَنَّهُ إذَا بَاعَ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ وَالْمَعْتُوهُ وَالسَّفِيهُ الْمَحْجُورُ مَالًا مِنْ آخَرَ يَمْتَنِعُ لُزُومُهُ وَنَفَاذُهُ بِالرَّغْمِ مِنْ وُجُودِهِ بِالْفِعْلِ وَمَتَى اطَّلَعَ وَلِيُّهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ أَيْ: أَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ قَابِلٌ لِلْإِجَازَةِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: هُوَ مَنْعُ وَصْفِ التَّصَرُّفِ مِنْ وَصْفِهِ أَيْ: مَنْعُ تَحَقُّقِ نَفَاذِهِ فِي الْحَالِ، وَالنَّفَاذُ وَصْفٌ وَصَيْرُورَتُهُ فِي الْحَالِ وَصْفٌ لِلْوَصْفِ، كَمَنْعِ نَفَاذِ إقْرَارِ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ فِي الْحَالِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٠٠٢) وَيُقَالُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْحَجْرِ الضَّعِيفُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَّلِ الْحَجْرِ بِتَغْيِيرٍ) .

وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (١٠٠٢) أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ بِدَيْنِ آخَرَ يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْأَمْوَالِ الْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْحَجْرِ أَيْ: لَا يَنْفُذُ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ وَيَكُونُ مَدِينًا وَمُكَلَّفًا بِأَدَاءِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ اخْتِصَاصِ الْمَنْعِ بِالتَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ، أَنَّ الْحَجْرَ لَا يَجْرِي فِي التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (٩٦٠) ، صَرِيحًا.

وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَتْلَفَ مَجْنُونٌ مَالَ أَحَدٍ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ الصَّحِيحِ كَذَلِكَ لَوْ مَزَّقَ مَجْنُونٌ ثَوْبَ أَحَدٍ لَزِمَ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .

كَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ الطِّفْلُ مَالَ آخَرَ كَمَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةٍ لِأَحَدٍ مَثَلًا وَتَلِفَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .

كَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ الْمَحْجُورُ بِالدَّيْنِ مَالَ آخَرَ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْمَالِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَيُشَارِكُهُمْ فِي التَّرِكَةِ بِلَا خِلَافٍ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .

كَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ السَّفِيهَ الْمَحْجُورَ أَتْلَفَ مَالًا لَزِمَ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ.

وَالْحَجْرُ يَجْرِي فِي الْأَقْوَالِ وَلَا يَجْرِي فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ أَثَرٌ فِي الْخَارِجِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ اُعْتُبِرَ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ؛ إذْ إنَّهُ يَنْشَأُ بِالْأَقْوَالِ مَعَ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يُرَى وَلَا يُشَاهَدُ فِي مَحَالِّهَا بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ، وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ وَهِيَ الْحُرْمَةُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْمَلَكِيَّةُ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةُ أَمْرٌ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ وَكَذَلِكَ الشَّهَادَاتُ الَّتِي هِيَ إخْبَارَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمَخْبَرِ عَنْهُ تُعْرَفُ أَيْضًا بِالشَّرْعِ لِكَوْنِهَا فِي نَفْسِهَا مُحْتَمِلَةً الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ؛ إذْ إنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ لَا تَدُلَّ الْإِخْبَارَاتُ وَالْإِنْشَاءَاتُ عَلَى مُقْتَضَيَاتِهَا (الْكِفَايَةُ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>