للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَثَلًا جُمْلَةُ بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ هِيَ قَوْلٌ وَأَثَرُهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَغَيْرُ مَرْئِيٍّ فِي الْخَارِجِ فَمِنْ الْجَائِزِ اعْتِبَارُ عَدَمِهِ وَعَدُّ مَدْلُولَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ بِلَا حُكْمٍ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ إنْكَارٌ لِلْحَقَائِقِ أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْجَوَارِحِ فَبِمَا أَنَّ أَثَرَهَا مَوْجُودٌ فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ عَدَمِهَا مَثَلًا أَوْ قَتَلَ صَبِيٌّ شَخْصًا آخَرَ أَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ مُنْعَدِمًا وَرَفْعُ وُجُودِهِ الْخَارِجِيِّ وَعَدُّ الْمَالِ الَّذِي أَتْلَفَ غَيْرَ مُتْلَفٍ وَتَخْلِيصُ الصَّبِيِّ مِنْ الضَّمَانِ.

وَعَلَيْهِ فَاعْتِبَارُهُ مُنْعَدِمًا إنَّمَا هُوَ سَفْسَطَةٌ أَيْ: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ دُخُولًا فِي اعْتِقَادَاتِ السُّوفُسْطَائيين الْبَاطِلَةِ (الدُّرَرُ فِي الْحَجْرِ) والسُّوفُسطائِيَة بِفَتْحِ السِّينِ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ تُنْكِرُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ وَتَدَّعِي أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُدْعَى بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا هُوَ أَوْهَامٌ وَخَيَالَاتٌ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ، الْعِنَايَةُ) .

أَسْبَابُ الْحَجْرِ: إنَّ بَعْضَ أَسْبَابِ الْحَجْرِ الصِّغَرُ، وَالْعَتَهُ، وَالْجُنُونُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ خَلَقَ الْبَشَرَ وَشَرَّفَهُمْ عَلَى جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْعَقْلِ وَمَيَّزَهُمْ عَنْ الْبَهَائِمِ فَالسَّعِيدُ مِنْهُمْ سَعِيدٌ بِعَقْلِهِ.

وَالْخَالِقُ الْحَكِيمُ قَدْ أَوْدَعَ الْإِنْسَانَ الْعَقْلَ وَالْهَوَى أَمَّا الْبَهَائِمُ فَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِمْ غَيْرَ الْهَوَى.

فَمَنْ هَوَاهُ عَقْلُهُ مِنْ بَنِي الْإِنْسَانِ فَهُوَ أَرْدَأُ مِنْ الْبَهَائِمِ قَالَ تَعَالَى {إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: ٤٤] أَمَّا مَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ هَوَاهُ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَخْلُوقَاتِ.

وَعَلَيْهِ فَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْمُخَالَفَةِ لِهَوَاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلشَّدَائِدِ، وَالْخَالِقُ جَلَّ شَأْنُهُ قَدْ خَلَقَ مِنْ الْبَشَرِ كَثِيرًا مِنْ ذَوِي النُّهَى وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ أَعْلَامَ الدِّينِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى كَمَا خَلَقَ بَعْضَهُمْ وَابْتَلَاهُ بِأَسْبَابٍ تَسْتَلْزِمُ نُقْصَانَ الْعَقْلِ كَالْجُنُونِ وَفُقْدَانِ الْعَقْلِ بِأَسْبَابٍ أُخْرَى كَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ وَقَدْ جَعَلَ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِالْحَجْرِ غَيْرَ نَافِذَةٍ لِيَصُونَ مَالَهُمْ مِنْ طَمَعِ الطَّامِعِينَ وَحِيَلِ الْمُحْتَالِينَ وَأَوْجَبَ الْمُحَافَظَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ عَلَى الْوَلِيِّ الْخَاصِّ كَالْأَبِ وَالْوَلِيِّ الْعَامِّ كَالْقَاضِي كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ) كَمَا أَنَّهُ قَدْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ الصِّغَرَ وَالْجُنُونَ وَالْعَتَهَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمَاجِنَ وَالطَّبِيبَ الْجَاهِلَ وَالْمَكَّارَ وَالْمُفْلِسَ مَلْحُوقُونَ بِهِمْ أَيْ: أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى هَؤُلَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) وَقَدْ أَوْضَحَ فِي الْمَادَّةِ (٨٧٦) أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ أَمَّا السَّفَهُ وَالدِّينُ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ فَهُمَا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مِنْ أَسْبَابِهِ، اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٩٥٩) وَلَيْسَ الْفِسْقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ.

٤ - الْمَحْجُورُ، اسْمُ مَفْعُولٍ مَأْخُوذٌ مِنْ مَصْدَرِ الْحَجْرِ وَمَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ الصِّلَةِ بِأَنْ تَقُولَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ كَمَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْمَأْذُونِ مَعَهَا أَيْضًا فَتَقُولَ الْمَأْذُونُ لَهُ فَقَدْ حَذَفَ الْفُقَهَاءُ الصِّلَةَ فِي كِلْتَا الْكَلِمَتَيْنِ تَخْفِيفًا وَلِأَنَّ الْمَعْنَى يُفْهَمُ بِدُونِهَا فَقَالُوا (مَحْجُورٌ، وَمَأْذُونٌ) .

وَقَدْ جَرَتْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الْمَجْرَى (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَّلِ الْمَأْذُونِ، الطَّحْطَاوِيُّ، عَبْدُ الْحَلِيمِ) .

مَحَاسِنُ الْحَجْرِ: الْحَجْرُ عِبَارَةٌ عَنْ النَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ أَيْ: أَنَّ فِي الْحَجْرِ إشْفَاقًا عَلَى عِبَادِ اللَّهِ وَهُوَ أَحَدُ قُطْبَيْ أَمْرِ الدِّيَانَةِ، أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى (الْعِنَايَةُ) وَهَذَانِ - النَّظَرُ وَالْإِشْفَاقُ - إمَّا أَنْ يَعُودَا

<<  <  ج: ص:  >  >>