يَتَفَرَّعُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ عَدِيدَةٌ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْبَيْعِ: بِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (٣٦١) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَاقِلًا مُمَيِّزًا فَلَوْ بَاعَ أَحَدٌ مَالًا لَهُ مِنْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ فَكَمَا لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إعْطَاءُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمَالِ أَيْضًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْإِجَارَةِ: بِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ عَاقِلًا مُمَيِّزًا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (٤٤٤) فَلَوْ آجَرَ أَحَدٌ مَالًا لِصَبِيٍّ غَيْرِ مَأْذُونٍ أَوْ لِمَجْنُونٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَاسْتَهْلَكَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ الْإِيجَارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الرَّهْنِ: بِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الرَّهْنِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٧٠٨) أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ عَاقِلًا فَلَوْ رَهَنَ أَحَدٌ مَالَهُ عِنْدَ صَبِيٍّ غَيْرِ عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الرَّهْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْقَرْضِ: إذَا أَخَذَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مَالًا قَرْضًا وَاسْتَهْلَكَهُ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الطَّرَفَيْنِ.
أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَلَزِمَ الضَّمَانُ.
وَالصَّحِيحُ هُوَ هَذَا الْقَوْلُ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
أَمَّا حَقُّ صَاحِبِ الْمَالِ فِي اسْتِرْدَادِهِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الصَّبِيِّ عَيْنًا وَعَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ إذَا تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ قَبِيلَ الْقَسَامَةِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي الْوَدِيعَةِ: إذَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ الْمَالَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
أَمَّا لَوْ اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ الْمَذْكُورُ الْمَالَ الْمُودَعِ عِنْدَ أَبِيهِ فَيَضْمَنُ.
وَقَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٧٨) بَعْضُ تَفْصِيلَاتٍ أَيْضًا.
وَيُحْجَرُ عَلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ تَكُونُ مَضَرَّتُهُمْ لِلْعُمُومِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَقَدْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَالطَّبِيبِ) إلَى أَنَّ هُنَاكَ أَشْخَاصًا آخَرِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْحَجْرَ وَهُمْ الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، وَلْنُوَضِّحْ الْآنَ الْبَحْثَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصِ الثَّلَاثَةِ.
الطَّبِيبُ الْجَاهِلُ، هُوَ الَّذِي يُعْطِي الْأَدْوِيَةَ الْمُهْلَكَةَ لِلنَّاسِ وَيَسْقِيهِمْ إيَّاهَا عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ الضَّرَرِ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَضَرَّةِ وَالتَّهْلُكَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْمُفْتِي الْمَاجِنُ: هُوَ مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ أَيْ: الْحِيَلَ الْمُؤَدِّيَةَ إلَى الضَّرَرِ وَاَلَّذِي يُفْتِي عَنْ جَهْلٍ وَلَا يُبَالِي بِتَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَاجِنٌ، وَالْمَاجِنُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجُونِ وَاسْمُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ مُجَّانٌ مَعْنَاهُ الصُّلْبُ وَالْغَلِيظُ وَاَلَّذِي لَا يَخْشَى كَلَامَ النَّاسِ وَلَا يُبَالِي بِمَا صَنَعَ، يَعْنِي: هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَحْيِي وَلَا يَخْجَلُ وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ إذَا قَلَّ حَيَاؤُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ الْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، هُوَ مَنْ لَيْسَ لَدَيْهِ دَابَّةٌ وَلَيْسَ لَدَيْهِ وَسَائِطُ أُخْرَى لِلنَّقْلِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْهِ نُقُودٌ لِشِرَاءِ ذَلِكَ وَيُكْرِي النَّاسَ دَوَابَّ وَمَتَى جَاءَ وَقْتُ تَسْلِيمِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ يَخْتَفِي وَبِمَا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَمِدُونَ عَلَى كَلَامِ ذَلِكَ الْمُكَارِي فَيُعْطُونَهُ قِسْمًا مِنْ الْأَجْرِ سَلَفًا فَيَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَرَافِقِهِ وَحَوَائِجِهِ وَمَتَى