حَلَّ وَقْتُ الذَّهَابِ إلَى الْمَحَلِّ الْمَقْصُودِ اخْتَفَى فَتَتْلَفُ بِذَلِكَ أَمْوَالُ النَّاسِ إذْ أَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ الْمَكَانَ الْمَقْصُودَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَخْتَارُونَهُ وَبِذَلِكَ يُفَوِّتُ مَقْصُودَهُمْ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَجْرِ) .
إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ أَيْ: اللَّذَيْنِ يُفْسِدُونَ الْأَبْدَانَ وَالْأَمْوَالَ وَالْأَدْيَانَ يُمْنَعُونَ إذْ يُخْتَارُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ، وَالْمَنْعُ الْمَذْكُورُ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مِنْ الْحَجْرِ الْمَنْعُ مِنْ إجْرَاءِ الْعَمَلِ لَا مَنْعُ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْعَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَاعَ الطَّبِيبُ الْجَاهِلُ بَعْدَ الْمَنْعِ وَالْحَجْرِ دَوَاءً فَكَمَا أَنَّ بَيْعَهُ يَكُون نَافِذًا فَالْمُفْتِي الْمَاجِنُ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ وَكَانَ مُصِيبًا فِي فَتْوَاهُ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا.
وَتَدُلُّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْحَجْرِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْعِهِمْ هُوَ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ (التَّنْوِيرُ، أَبُو السُّعُودِ، الطَّحْطَاوِيُّ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَعَلَيْهِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ (يُحْجَرُ) وَلَوْ قِيلَ (يُمْنَعُ) لَكَانَ أَوْلَى وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ أَرْدَعُ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) وَقَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُحْتَكِرِينَ وَمَنْ يَبِيعُ الْحَوَائِجَ الضَّرُورِيَّةَ بِأَغْلَى مِنْ قِيمَتِهَا بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاسِعٌ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُقْصَرَ مِثْلُ هَذَا الْحَجْرِ وَالْمَنْعِ عَلَى هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَاطَى أَوْ أَنْ يَتَعَلَّمَ صَنْعَةً أَوْ حِرْفَةً مِنْ أَهْلِهَا؛ فَلَيْسَ لِأَصْحَابِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ أَوْ الْحِرْفَةِ أَيْ: لَيْسَ لِنُقَبَائِهَا الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ بِدَاعِي أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَتَعَاطَى تِلْكَ الصَّنْعَةَ أَوْ أَنْ يُعَلِّمُوهُ إيَّاهَا وَذَلِكَ كَمَا سَيُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ)
(مَادَّةُ ٦٥) إذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ بِصَنْعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ فِي سُوقٍ؛ فَلَيْسَ لِأَرْبَابِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ أَنْ يَحْجُرُوهُ أَوْ يَمْنَعُوهُ عَنْ اشْتِغَالِهِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَى رِبْحِهِمْ وَكَسْبِهِمْ نَقْصٌ وَخَلَلٌ.
إذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ بِصِنَاعَةٍ كَالصِّبَاغَةِ وَالْخِيَاطَةِ أَوْ تِجَارَةٍ فِي سُوقٍ فَلَيْسَ لِأَرْبَابِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ أَنْ يَحْجُرُوهُ أَوْ يَمْنَعُوهُ عَنْ اشْتِغَالِهِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَى رِبْحِهِمْ وَكَسْبِهِمْ نَقْصٌ وَخَلَلٌ.
مَثَلًا: لَوْ تَعَاطَى أَحَدٌ الدِّبَاغَةَ وَأَرَادَ بَيْعَ الْجُلُودِ الَّتِي دَبَغَهَا وَطَلَبَ الدَّبَّاغُونَ الْحَجْرَ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ وَمَنْعَهُ مِنْ تَعَاطِي الدِّبَاغَةِ فَلَا يُسْمَعُ لَهُمْ (التَّنْقِيحُ) كَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ صَنْعَةً؛ فَلَيْسَ لِأَهْلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ تَعَلُّمِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ فَتَحَ أَحَدٌ حَانُوتًا فِي جَانِبِ حَانُوتٍ لِآخَرَ وَكَسَدَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْحَانُوتِ الْأَوَّلِ فَلَا يُقْفَلُ الْحَانُوتُ الثَّانِي عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (١٢٨٨) وَيَمْنَعُ فِي زَمَانِنَا بَعْضُ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ وَالتِّجَارَةِ غَيْرَهُ مِنْ فَتْحِ حَانُوتٍ أَوْ مَخْزَنٍ لِتَعَاطِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ الْحَانُوتُ أَوْ الْمَخْزَنُ قَرِيبًا مِنْ حَانُوتِهِ أَوْ مَخْزَنِهِ مَسَافَةً مَعْلُومَةً.
فَعَلَيْهِ إذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْمَحْكَمَةِ فَعَلَى الْمَحْكَمَةِ أَنْ تَمْنَعَ حُصُولَ أُمُورٍ كَهَذِهِ حَسَبَ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَإِلَيْكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَقَدْ اُخْتِيرَ فِي الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَهَذَا جَائِزٌ وَأَمَّا لَوْ مُنِعَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَيَكُونُ قَدْ اُخْتِيرَ دَفْعُ الضَّرَرِ الْخَاصِّ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِمِثْلِهِ.