الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ وَلِيٌّ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ حِينَ وُقُوعِ الْعَقْدِ.
عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ مُخَيَّرٌ فِي الْإِجَازَةِ فِي الْعُقُودِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَإِنْ رَآهَا مُفِيدَةً فِي حَقِّ الصَّغِيرِ أَجَازَهَا أَيْ: إذَا شَاءَ فَسَخَهَا وَأَبْطَلَهَا وَإِنْ رَآهَا غَيْرَ مُفِيدَةٍ فَلَا يُجِيزُ أَيْ: يَجُوزُ لَهُ عَدَمُ إجَازَتِهَا.
وَيُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ (فَإِنْ رَآهَا مُفِيدَةً) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ عَقْدًا كَهَذَا شَرْطٌ أَسَاسِيٌّ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْعَقْدِ غَبْنٌ فَاحِشٌ وَعَلَيْهِ لَوْ أَجَازَ الْوَلِيُّ مَعَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَلَا تَصِحُّ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٥٨) لَكِنْ إذَا بَاعَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ الْمَالَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٩٧٢) أَمَّا إذَا أَجَازَ الْوَلِيُّ بَيْعَ الصَّغِيرِ الْغَيْرِ الْمَأْذُونِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ فَيَجِبُ إيجَادُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ فِيهِمَا اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَلِلْوَلِيِّ إجَازَةُ عَقْدِ الصَّبِيِّ الَّذِي فِيهِ غَبْنٌ يَسِيرٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
إنَّ الْعُقُودَ الدَّائِرَةَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ هِيَ كَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالسَّلَمِ، وَالِاسْتِصْنَاعِ وَالرَّهْنِ، وَالْإِيدَاعِ، وَالِاسْتِيدَاعِ وَمَا أَشْبَهَ؛ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ سُؤَالٌ عَلَى تَوَقُّفِ الشِّرَاءِ وَهُوَ إذَا كَانَ التَّوَقُّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَقَعُ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَقَعُ فِي الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَبْقَى مَوْقُوفًا وَيَنْفُذُ حَقُّ الْمُشْتَرِي.
مَثَلًا: لَوْ بَاعَ أَحَدٌ مَالَ زَيْدٍ بِلَا إذْنٍ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ زَيْدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ مَالًا نَاوِيًا أَنَّهُ لِزَيْدٍ بِدُونِ إذْنِهِ وَلَا وَكَالَتِهِ نَفَذَ الشِّرَاءُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَصَارَ مِلْكًا لَهُ فَلَوْ أَجَازَ زَيْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا الشِّرَاءَ فَلَا يُصْبِحُ مَالًا لِزَيْدٍ؟ .
يُقَالُ جَوَابًا عَلَى هَذَا السُّؤَالِ: إنَّ نَفَاذَ الشِّرَاءِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي يَكُونُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْمَحَلُّ قَابِلًا وَمُسَاعِدًا لِلنَّفَاذِ كَمَا فِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ.
أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَحَيْثُ إنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ غَيْرُ ذِي أَهْلِيَّةٍ وَلَيْسَ مَحَلًّا قَابِلًا لِلنَّفَاذِ فَلَمْ يَنْفُذْ الشِّرَاءُ وَبَقِيَ مَوْقُوفًا كَالْبَيْعِ (الزَّيْلَعِيّ) .
الْقَاعِدَةُ الْعُمُومِيَّةُ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا.
يَتَفَرَّعُ عَنْ فِقْرَةِ (أَمَّا الْعُقُودُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فِي الْأَصْلِ. . .) بِسَبَبِ كَوْنِهَا قَاعِدَةً عُمُومِيَّةً مَسَائِلُ وَفِيرَةٌ مِنْ الْكُتُبِ الْعَدِيدَةِ: الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ: لَوْ بَاعَ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ مَالًا بِلَا إذْنٍ يَكُونُ نَفَاذُ ذَلِكَ الْبَيْعِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ فِي الْأَصْلِ - بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَقَعُ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ صُدْفَةً وَاتِّفَاقًا - هُوَ مِنْ الْعُقُودِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَفِي الْبَيْعِ نَفْعٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَفِيهِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ يَزُولُ عَنْ الْمَبِيعِ.
وَهَكَذَا الْحَالُ فِي الْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا (الْقُهُسْتَانِيُّ) .
فَلِذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى صَبِيٌّ مَالًا وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ فَنَفَاذُ شِرَائِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَوَلِيُّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَجَازَ فِي مَصْلَحَةِ الصَّبِيِّ وَمَنْفَعَتِهِ إنْ رَآهُ مُفِيدًا وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَوْنِ حَقِّ الْإِجَازَةِ عَائِدًا لِلْوَلِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْإِذْنِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ الْمَأْذُونِ حَتَّى لَوْ كَانَ الصَّغِيرُ الْمَأْذُونُ مَدِينًا (أَبُو السُّعُودِ) .
أَيْ: إنَّ حَقَّ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ لَا تَسْقُطُ بِإِعْطَاءِ الْوَلِيِّ الْإِذْنَ لِلصَّغِيرِ، أَمَّا إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ فَلَا تَبْقَى وِلَايَةٌ لِلْوَلِيِّ بَعْدُ،