للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّائِرَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ هِيَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ بِاعْتِبَارِهِ عَاقِلًا يُشْبِهُ الْعَاقِلَ وَالْبَالِغَ وَبِاعْتِبَارِ قُصُورِ عَقْلِهِ وَعَدَمِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ إلَيْهِ أَيْ: عَدَمِ تَكْلِيفِهِ هُوَ مُمَاثِلٌ لِلطِّفْلِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلِذَلِكَ تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ فَقَدْ أُلْحِقَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ نَفْعٌ مَحْضٌ لَهُ بِالْبَالِغِ وَأُلْحِقَ بِالطِّفْلِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ ضَرَرٌ مَحْضٌ لَهُ أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَبِمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الضَّرَرُ فِيهَا لِنُقْصَانِ عَقْلِ الصَّغِيرِ كَمَا أَنَّهُ يُؤْمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا نَفْعٌ فَلِذَلِكَ إذَا أَذِنَهُ الْوَلِيُّ يَكُونُ قَدْ رَجَّحَ جَانِبَ الْمَصْلَحَةِ أَيْ: أَنَّ الْوَلِيَّ يَكُونُ قَدْ رَأَى مَنْفَعَةً فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ فَيُصْبِحُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ صَحِيحًا (أَبُو السُّعُودِ، الطَّحْطَاوِيُّ، التَّنْقِيحُ) إنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فَكَمَا يَكُونُ صَحِيحًا بَعْدَ إعْطَاءِ الصَّغِيرِ الْإِذْنَ يَكُونُ صَحِيحًا إذَا تَصَرَّفَ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ قَبْلَ الْإِذْنِ فَأَجَازَ الصَّبِيُّ هَذَا التَّصَرُّفَ بِالذَّاتِ بَعْدَ أَنْ أَذِنَهُ الْوَلِيُّ أَوْ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ بِدُونِ الْإِجَازَةِ (التَّنْقِيحُ) وَعَلَيْهِ فَتَصَرُّفَاتُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ تَكُونُ نَافِذَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

١ - إذَا تَصَرَّفَ بَعْدَ الْإِذْنِ.

٢ - إذَا تَصَرَّفَ قَبْلَ الْإِذْنِ وَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ ٣ - إذَا تَصَرَّفَ قَبْلَ الْإِذْنِ وَأَجَازَ تَصَرُّفَهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ أَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ) أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ حِينَ إجْرَائِهِ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ وَصِيٌّ خَاصٌّ كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ وَصِيٌّ عَامٌّ كَالْقَاضِي فَتَنْعَقِدُ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ ذَلِكَ الْوَلِيِّ.

أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلصَّغِيرِ الْمَذْكُورِ وَلِيٌّ خَاصٌّ أَوْ وَلِيٌّ عَامٌّ وَقْتَ إنْشَائِهِ تَصَرُّفًا كَهَذَا فَيَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْعَقْدِ وَالتَّصَرُّفِ بَاطِلًا وَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَارَةِ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ خَاصٌّ أَوْ وَلِيٌّ عَامٌّ كَالْقَاضِي يُجِيزُهُ فَأَصْبَحَ بَاطِلًا وَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ إجَازَتُهُ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ لِبُطْلَانِهِ.

مَثَلًا: إذَا وُجِدَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ مِنْ رَعِيَّةِ الدَّوْلَةِ الْعَلِيَّةِ فِي بِلَادٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَبَاعَ أَجْنَبِيَّةً وَبَاعَ مَالًا لَهُ هُنَاكَ مِنْ أَحَدٍ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ وَلِيٌّ خَاصٌّ وَلَا وَلِيٌّ عَامٌّ كَالْقَاضِي لِعَدَمِ وُجُودِهِ تَحْتَ وِلَايَةِ قَاضٍ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَلَا يَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَفْسُ الْعَقْدِ قَابِلًا لِلْإِجَازَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ وَلِيٌّ يُجِيزُهُ وَقْتَ وُقُوعِهِ فَكَانَ بَاطِلًا غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَرَوْنَ أَنَّهُ إذَا أَنْشَأَ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ عَقْدًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الصَّغِيرِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ وَلِيٌّ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ (التَّنْقِيحُ) وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ أَنَّ لِلْعَقْدِ الصَّادِرِ مِنْ الصَّغِيرِ شَرْطَيْنِ لِيَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَارَةِ: أَحَدُهُمَا يَعُودُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، وَالثَّانِي إلَى الْمُجِيزِ.

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَقْدُ قَابِلًا لِلْإِجَازَةِ كَالْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ.

فَلِذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الصَّغِيرُ مَالَهُ لِآخَرَ أَوْ كَفَلَ آخَرَ أَوْ قَبِلَ أَنْ يُحِيلَ أَحَدٌ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ فَبِمَا أَنَّهَا تَكُونُ بَاطِلَةً حِينَ وُقُوعِهَا فَلَا تُقْبَلُ الْإِجَازَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>