وَقَوْلُ الْمَجَلَّةِ " فِي الْبَابِ " هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ ضَرُورَةِ أَحْوَالِ الصِّغَارِ وَاحْتِرَازٌ مِنْ بَابِ النَّفْعِ الْمَحْضِ وَلَيْسَتْ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرِ فِيهِمَا مُنْحَصِرَةٌ فِيمَنْ ذُكِرَ فِي الْمَجَلَّةِ، فَالتَّصَرُّفُ عَلَى الصِّغَارِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: التَّصَرُّفُ الَّذِي مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَلَا يَمْلِكُ هَذَا غَيْرُ الْوَلِيِّ كَالْإِنْكَاحِ، وَالشِّرَاءِ وَبَيْعِ مَالِ قَنِيَّةٍ وَمَا مَاثَلَ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُ أَوْلِيَاءِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ مَرَّ بَعْضُ إيضَاحَاتٍ لِهَذَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٥٩) .
النَّوْعُ الثَّانِي: التَّصَرُّفُ الَّذِي مِنْ ضَرُورَةِ حَالِ الصِّغَارِ كَاشْتِرَاءِ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَلْبُوسَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ لِلصَّغِيرِ وَبَيْعِ مَا يَكُونُ بَيْعُهُ ضَرُورِيًّا لِلصَّغِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْأَوْلِيَاءُ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَنْ تَرَبَّى الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمْ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ فَهَؤُلَاءِ يَقْدِرُونَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِمْ أَوْ فِي حِجْرِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي هِيَ نَفْعٌ مَحْضٌ لِلصَّغِيرِ، كَقَبُولِ الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ الْقَبْضِ فَكَمَا يَقْدِرُ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَالْأُمُّ وَالْأَخُ وَالْعَمُّ وَالْمُلْتَقِطُ الَّذِينَ يَكُونُ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِمْ وَحِجْرِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ قَادِرُونَ عَلَيْهِ أَيْضًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلِيُّ أَيْ: الْأَبُ حَاضِرًا أَمْ غَائِبًا (الْهِبَةُ) اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٨٥٢) وَعَلَيْهِ فَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْمُتَصَرَّفِينَ فَرْقٌ عَلَى صُورَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مُقْتَدِرُونَ عَلَى التَّصَرُّفِ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْأَوْلِيَاءُ وَالْمُتَصَرَّفُونَ الْآخَرُونَ فَلَيْسُوا بِمُقْتَدِرِينَ عَلَى التَّصَرُّفِ الَّذِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ أَصْلًا.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مُقْتَدِرُونَ عَلَى التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ كُلِّهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمْ وَعِيَالِهِمْ أَمَّا الْأَوْلِيَاءُ وَالْمُتَصَرَّفُونَ الْآخَرُونَ فَإِنَّمَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ.
وَيُفْهَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْمَجَلَّةِ الْأَوْصِيَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنْ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ مَعَ وُجُودِ وَصِيِّ الْأَبِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَالِي أَوْ الْحَاكِمِ وِلَايَةٌ أَيْضًا، وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَالِي وَالْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِ الْجَدِّ.
عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ تَرْتِيبٌ فِي الْأَوْصِيَاءِ فَهُوَ إلَى وَصِيِّ الْجَدِّ، وَيُفْهَمُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (سَابِعًا الْحَاكِمُ وَوَصِيُّهُ الْمَنْصُوبُ) أَنْ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَالْوَصِيِّ فَأَيُّهُمَا تَصَرَّفَ كَانَ تَصَرُّفُهُ صَحِيحًا، وَلِلْحَاكِمِ حَقُّ الْوِلَايَةِ مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ الْمَنْصُوبِ فَأَيُّهُمَا تَصَرَّفَ كَانَ تَصَرُّفُهُ مُعْتَبَرًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
سُؤَالٌ أَوَّلٌ - بِمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ الْخَاصَّةَ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٥٩) ؛ فَلَيْسَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ الْمَنْصُوبُ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ مُقَدَّمًا عَلَى الْحَاكِمِ؟ الْجَوَابُ - إنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ كَمَا وَرَدَ فِي شَرْحِ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَتْ بِكُلِّيَّةٍ بَلْ هِيَ أَكْثَرِيَّةٌ سُؤَالٌ ثَانٍ - لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ إذَا امْتَنَعَ الْأَبُ عَنْ إعْطَائِهِ الْإِذْنَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ، فَلَا يَلْزَمُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ عَدَمُ وُجُودِ تَرْتِيبٍ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ وَأَنْ لَا تَكُونَ وِلَايَةُ الْحَاكِمِ مُتَأَخِّرَةً؟ الْجَوَابُ - إنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ إعْطَاءِ الصَّغِيرِ إذْنًا مَعَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ فِي إعْطَائِهِ الْإِذْنَ مِمَّا يَجْعَلُ الْأَبُ عَاضِلًا وَمَانِعًا وَعَضْلُ الْأَبِ وَمَنْعُهُ - أَيْ: الِامْتِنَاعُ عَنْ إيصَالِ الْمَنْفَعَةِ لِلصَّغِيرِ - يَنْقُلَانِ وِلَايَةَ الْأَبِ فِي هَذَا الْخُصُوصِ إلَى الْقَاضِي (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
هَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ حَاسِمٍ لِمَادَّةِ الْإِشْكَالِ حَيْثُ مَا كَانَ الْأَبُ عَاضِلًا يَنْبَغِي أَنْ تَنْتَقِلَ الْوِلَايَةُ إلَى