يُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ أَوْ دَسْتَانِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُتْرَكَ دَسْتُ وَإِذَا لَمْ يُتْرَكْ زِيَادَةٌ عَنْ دَسْتُ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ عِنْدَ غَسْلِهِ أَنْ يَمْكُثَ فِي الْبَيْتِ مَلُومًا مَحْسُورًا. أَمَّا عِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ دَسْتُ وَاحِدٌ وَيُبَاعُ الْبَاقِي (مُنْلَا مِسْكِينٍ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) ؛ لِأَنَّ بِهِ كِفَايَةٌ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَقَوْلُ الْمَجَلَّةِ (يُتْرَكُ لَهُ ثَوْبًا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلٍ وَقَوْلُهَا (أَوَثَوْبَيْنِ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلٍ آخَرَ. وَعَلَيْهِ فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَرَكَ لَهُ دَسْتًا وَاحِدًا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لَهُ دَسْتَيْنِ وَبَاعَ الْبَاقِيَ وَأَدَّى دَيْنَهُ. إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ لِذَلِكَ الْمَدِينِ ثِيَابٌ ثَمِينَةٌ وَكَانَ يُمْكِنُ بِالنَّظَرِ إلَى شَخْصِيَّتِهِ وَحَيْثِيَّتِهِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا بَاعَهَا وَاشْتَرَى لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا ثِيَابًا رَخِيصَةً تَلِيقُ بِحَالِهِ وَأَعْطَى بَاقِيَهَا لِلْغُرَمَاءِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ لُبْسَ ذَلِكَ لِلتَّجَمُّلِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ (الْجَوْهَرَةُ) . كَذَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَدِينِ كَانُونٌ نُحَاسٌ يُبَاعُ الْكَانُونُ الْمَذْكُورُ وَيُشْتَرَى لَهُ كَانُونٌ مِنْ الطِّينِ وَالزَّائِدُ يُعْطَى إلَى الْغُرَمَاءِ (الْجَوْهَرَةُ) . كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُ بِالنَّظَرِ إلَى أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا بَاعَهَا وَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا دَارًا مُنَاسِبَةً لِحَالِ الْمَدِينِ وَأَعْطَى مَا يَزِيدُ لِلْغُرَمَاءِ. وَلَا يُقَالُ يُعْطِي كَامِلَ ثَمَنِ الدَّارِ إلَى الْغُرَمَاءِ وَيَسْكُنُ الْمَدِينُ دَارًا بِالْأُجْرَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ مَالًا) . قِيلَ (إذَا أَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا دُونَهَا جَسَامَةً. مَثَلًا إذَا كَانَتْ دَارُ الْمَدِينِ كَبِيرَةً عَلَيْهِ وَزَائِدَةً عَنْ حَاجَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ فَتُبَاعُ تِلْكَ الدَّارُ إذَا كَانَ فِي الْإِمْكَانِ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ غَيْرِهَا بِنِصْفِ ثَمَنِهَا مَثَلًا دَارًا صَغِيرَةً تَكْفِي الْمَدِينَ فِي جِوَارِهَا. يَعْنِي إعْطَاءَ (مَا دُونَهَا) وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكَانُونِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا آنِفًا فَهِيَ نَظِيرُ ذَلِكَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا دُونَهَا قِيمَةً وَذَلِكَ كَأَنْ تَكُونَ دَارُ الْمَدِينِ فِي مَحَلٍّ مُعْتَبَرٍ لَوْ بِيعَتْ يُمْكِنُ شِرَاءُ مِثْلِهَا فِي مَكَان آخَرَ غَيْرِ مُعْتَبَرٍ بِنِصْفِ ثَمَنِهَا. مَثَلًا إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ دَارٌ فِي (جُفَالٍ أَوْ غُلِّي) فِي إسْتَانْبُولْ تَكْفِي لِاسْتِيعَابِ أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ فَقَطْ وَكَانَتْ إذَا بِيعَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْ ذَهَبَةٍ وَيُمْكِنُ شِرَاءُ دَارٍ بِأَلْفِ ذَهَبَةٍ فِي جِوَارِ بَابِ أَدَرِنَةٍ بِعَيْنِ الْجَسَامَةِ وَالْحَجِّ.
وَإِنِّي وَإِنْ لَمْ أَجِدْ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ كَلَامًا صَرِيحًا فِي إعْطَاءِ هَذَا الْمَعْنَى (لِمَا دُونَهَا) أَيْ فِي جَعْلِهِ شَامِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يَرَى الْمَعْنَى الثَّانِيَ مُوَافِقًا لِلْعَدَالَةِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَارٍ مُنَاسِبَةٍ لِحَالِ الْمَدِينِ لِأَجْلِ الدَّيْنِ وَيَلْزَمُ تَرْكُهَا لِلْمَدِينِ. وَفِي هَذَا التَّرْكِ مُسَاعَدَةٌ خَاصَّةٌ لِلْمَدِينِ ذَاتِهِ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ فِي حَالِ وَفَاتِهِ - سَوَاءٌ أَكَانُوا صِغَارًا أَمْ كِبَارًا - أَنْ يَقُولُوا عَنْ دَارِ مُوَرِّثِهِمْ الْمَمْلُوكَةِ أَنَّ مَسْكَنَنَا الشَّرْعِيَّ لَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْإِرْثِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَسْكَنٍ لِلْوَارِثِ حَتَّى إذَا تُوُفِّيَ أَحَدٌ وَتَرِكَتُهُ مُسْتَغْرِقَةٌ لِلدُّيُونِ فَتَعُودُ جَمِيعُ أَمْوَالِهِ وَعَقَارَاتِهِ الْمَمْلُوكَةِ إلَى دَائِنِيهِ، وَلَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ فِيهَا حَقٌّ مَا مُطْلَقًا. وَإِذَا طَلَب دَائِنُو الْمُفْلِسِ حَبْسَ الْمَدِينِ لِعَدَمِ ظُهُورِ مَالٍ لَهُ وَادَّعَى الْمَدِينُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْسِرٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَيُحْبَسُ لِكُلِّ دَيْنِ الْتَزَمَ بِهِ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالْكَفَالَةِ. وَيُحْبَسُ فِي الدَّرَاهِمِ وَفِي أَقَلَّ مِنْهَا وَيُحْبَسُ فِي قَلِيلِ الدَّيْنِ وَكَثِيرِهِ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ. الْمَطْلُ (الْجَوْهَرَةُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute