الْبَيْعُ، إلَّا أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ كَالطَّلَاقِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّضَاء لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَسَتُوَضَّحُ هَذِهِ الْجِهَةُ فِيمَا يَأْتِي. كَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ الزَّوْجُ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ، فِي مُقَابِلِ مَالٍ، وَقَبِلَهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْمَالِ أَمَّا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَالرِّضَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، (الزَّيْلَعِيّ) .
الْحُكْمُ الثَّانِي: كَوْنُ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ غَيْرَ فَرْضٍ، (الدُّرَرُ) ، مَثَلًا لَوْ أُكْرِهَ مُسْلِمٌ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُعْتَادٍ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا، فَيَكُونُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ حَتَّى أَنَّ الْمُكْرَهَ يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْإِبَاحَةِ فِي أَحْوَالٍ اضْطِرَارِيَّةٍ كَهَذِهِ، وَأَتْلَفَهُ الْمُجْبَرُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ الِاخْتِيَارِ أَمَّا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ فَقَدْ أُبْقِيَ عَلَى أَصْلِهِ حَلَالًا؛ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] وَعَلَيْهِ فَشُرْبُ الْخَمْرِ مَثَلًا قَدْ أُبِيحَ فِي هَذَا الْحَالِ بِنَاءً عَلَى الْإِكْرَاهِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ بِامْتِنَاعِهِ فِي حَقِّ إتْلَافِ النَّفْسِ مُعَيَّنًا لِلْغَيْرِ، (أَبُو السُّعُودِ) لَكِنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْفُقَهَاءُ، فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ قِيلَ: إضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ مِنْ بَابِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ فَاسِدٌ، فَالْجَوَابُ - أَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْإِتْيَانُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ، وَهَهُنَا قَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ، فَصَارَ التَّرْكُ حَرَامًا؛ لِأَنَّ مَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، (أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعِنَايَةِ) ، أَقُولُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْإِثْمَ لَيْسَ عَلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ بَلْ عَلَى تَرْكِ الْفَرْضِ، (الطُّورِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ أَحَدًا مَخْمَصَةٌ فَامْتَنَعَ عَنْ تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ يَأْثَمُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، (مُنْلَا مِسْكِينٍ) .
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: حَظْرُ عَمَلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، يَعْنِي كَوْنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ حَرَامًا، (الدُّرَرُ) فَلَوْ أُكْرِهَ مُسْلِمٌ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ إكْرَاهًا غَيْرَ مُلْجِئٍ، فَلَا يَصِيرُ شُرْبُهُ الْخَمْرَ حَلَالًا، بَلْ يَكُونُ حَرَامًا كَالْأَوَّلِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي إكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ، لِعَدَمِ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ عُضْوِ الْغَيْرِ أَوْ عَلَى الزِّنَا إكْرَاهًا مُلْجِئًا، يَكُونُ ارْتِكَابُ فِعْلِ الْقَتْلِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ أَوْ الزِّنَا حَرَامًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا كَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا هَالِكٌ حُكْمًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ، فَلَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا، (الدُّرَرُ) كَمَا لَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ شَخْصًا أَوْ يَقْطَعَ عُضْوَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ أَوْ يَشْتُمَهُ أَوْ يُؤْذِيَهُ، (الطُّورِيُّ) لَوْ قِيلَ لَهُ لِيَأْكُلْ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ يَقْتُلْ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْتُلُ الرَّجُلَ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى قُتِلَ فَهُوَ آثِمٌ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَقَتَلَ الرَّجُلَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، (الْهِنْدِيَّةُ بِتَغْيِيرٍ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
وَعَلَيْهِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّخْصَ أَنْ يَصْبِرَ وَلَا يَقْتُلُ وَلَوْ قُتِلَ هُوَ يُثَابُ بِسَبَبِ امْتِنَاعِهِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، (الزَّيْلَعِيّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ قَتْلُ الْآدَمِيِّ مَثَلًا بِمِثْلِ هَذِهِ الضَّرُورَاتِ، (وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ مُبَاحًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَتَخْلِيصِ النَّفْسِ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُرَخَّصُ لِضَرُورَةٍ مَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ وَكَذَا يَقْتُلُهُ بِإِخْرَاجِهِ السَّرِقَةَ إذَا لَمْ يُلْقِهَا بِصِيَاحٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِإِتْيَانِهِ حَلِيلَتَهُ كَذَلِكَ، (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) ، وَمَعَ هَذَا فَلَوْ قَتَلَهُ كَانَ قَتْلَ عَمْدٍ. وَإِذَا كَانَ الْمُجْبَرُ مُكَلَّفًا لَزِمَ الْمُجْبَرَ الْقِصَاصُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُكْرِه مُكَلَّفًا أَيْ عَاقِلًا بَالِغًا، لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute