للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَانِيًا: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا جَائِزًا وَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا كَانَ الْبَيْعُ بَيْعَ إكْرَاهٍ. أَمَّا بِالْعَكْسِ، أَيْ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا جَازَ الْبَيْعُ وَإِلَيْكَ الْفَرْقُ: إذَا بَاعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَيْعًا صَحِيحًا يَكُونُ قَدْ أَجْرَى عَقْدًا لَمْ يُكْرَهْ عَلَى إجْرَائِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ يُفِيدُ أَحْكَامًا لَا يُفِيدُهَا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ. أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا يَكُونُ قَدْ أَجْرَى الْعَقْدَ، الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ، عَلَى صُورَةٍ أَنْقَصَ، (الطُّورِيُّ)

ثَالِثًا، لَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ نِصْفِ دَارِهِ مَقْسُومًا، فَبَاعَ الْكُلَّ، لَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .

رَابِعًا، إذَا عَقَدَ الْبَائِعُ عَقْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ مُكْرَهٌ دُونَ الْمُشْتَرِي، كَانَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ وَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِرْدَادُهُ، لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُجْبِرُ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ، (أَبُو السُّعُودِ) ، فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، (الطُّورِيُّ) . لِهَذَا أَنْ يَرْجِعَ بِبَدَلِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ مَضْمُونًا. فَالْمُجْبِرُ كَالْغَاصِبِ وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، (الدُّرَرُ بِتَغْيِيرٍ) وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُجْبِرِ، (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .

لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ، غَيْرَ أَنَّهُ تُوقَفُ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ مِنْ الْفَسْخِ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ نَفَذَ مِلْكُهُ فِيهِ كَسَائِرِ الْبُيُوعَاتِ الْفَاسِدَةِ، (الطُّورِيُّ) . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَنْفُذُ كُلُّ شِرَاءٍ يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ الْأَدَاءَ بِالضَّمَانِ فَيَكُونُ بَيْعُهُ لِمَالِهِ ظَاهِرًا أَمَّا الشِّرَاءُ الْوَاقِعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ وَيَكُونُ أَخْذُ الثَّمَنِ اسْتِرْدَادًا لِلْمَبِيعِ، (الطَّحْطَاوِيُّ) .

بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْمُكْرَهُ عَقْدًا مِنْهَا، (وَلَوْ كَانَ الْمَجَازُ هُوَ الْأَخِيرُ) حَيْثُ يَنْفُذُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ حَقُّهُ فَيَعُودُ الْكُلُّ جَائِزًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ نَفَذَتْ جَمِيعُ الْبُيُوعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ أَنَّهُ إذْ ضَمِنَ فَأَخَذَ الْقِيمَةَ، صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ الْعَيْنَ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ بِخِلَافِ أَخْذِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَأَخْذِ الْعَيْنِ بَلْ إجَازَةٌ فَافْتَرَقَا. بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَاحِدًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ، حَيْثُ يَجُوزُ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجَازَةِ لِأَحَدِهِمْ مِلْكٌ بَاتٌّ وَأَبْطَلَ الْمَوْقُوفَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الْإِكْرَاهِ كُلُّ وَاحِدٍ بَاعَ مِلْكَهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِيهِ وَالْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْكُلِّ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، فَإِنْ أَسْقَطَ الْمَالِكُ نَفَذَ الْكُلُّ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ إجَازَةِ الْمُكْرَهِ وَإِجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَازَ بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ نَفَذَ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً: أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ فَكُلُّ بَيْعٍ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ تُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ الْمُصَادَفَةِ مِلْكَهُ، فَتَكُونُ إجَازَتُهُ أَحَدَ الْبُيُوعِ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَنْفُذُ مَا سِوَاهُ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ فَقَدْ مَلَكَهُ، فَالْبَيْعُ مِنْ كُلِّ مُشْتَرٍ صَادَفَهُ مِلْكُهُ فَلِهَذَا نَفَذَتْ الْبُيُوعُ كُلُّهَا بِإِجَازَةِ عَقْدٍ مِنْهَا، (الْعِنَايَةُ، وَالتَّبْيِينُ، وَأَبُو السُّعُودِ، وَالدُّرَرُ، والشُّرُنْبُلاليُّ) .

مَثَلًا لَوْ بَاعَ أَحَدٌ مَالَهُ مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ مُكْرَهًا، بَاعَهُ هَذَا مِنْ شَخْصٍ غَيْرَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ، وَبَاعَهُ هَذَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ، فَلَوْ ضَمِنَ صَاحِبُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ أَمَّا لَوْ ضَمِنَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَشِرَاءُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَشِرَاءُ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>