الْحُكْمُ الرَّابِعُ: لَا يُعْتَبَرُ الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ. وَتَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الرَّابِعِ فِقْرَةٌ، (وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَتْلِفْ مَالَ فُلَانٍ إلَخْ) .
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ أَنَّ نِصْفَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَصْلٌ لِلْمَادَّةِ الْآنِفَةِ كَمَا أَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ أَصْلٌ لِلْفُرُوعِ الْآتِيَةِ. بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ اتْلَفْ مَالَ فُلَانٍ بِالْأَكْلِ أَوْ بِصُورَةٍ أُخْرَى وَإِلَّا أَقْتُلْك أَوْ اقْطَعْ أَحَدَ أَعْضَائِك وَاتَلَف ذَلِكَ فَفِي هَذَا الْإِتْلَافِ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَالْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ أَيْضًا ضَرُورَةٌ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْإِكْرَاهُ الْمَذْكُورُ مُعْتَبَرًا وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُجْبِرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَكُونُ آلَةً لِلْمُجْبِرِ، وَالْحَامِلُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَهَا آلَةً، وَالْإِتْلَافُ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ أَيْضًا كَمَا لَوْ دَفَعَ الْمُجْبِرُ الْمُكْرَهَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَسَقَطَ عَلَيْهِ وَأَتْلَفَهُ، (الدُّرَرُ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَإِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ هُوَ إتْلَافُ مَالِ وَاحِدٍ، فَالْحُكْمُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا. وَإِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ هُوَ إتْلَافُ مَالِ وَاحِدٍ مِنْ عِدَّةِ أَشْخَاصٍ، فَلَا بَأْسَ مِنْ أَنْ يَخْتَارَ الْمُكْرَهُ أَحَدَهُمَا، فَلَوْ قَالَ الْمُجْبِرُ أَتْلِفْ مَالَ زَيْدٍ هَذَا أَوْ أَتْلِفْ مَالَ عَمْرٍو ذَاكَ وَأَكْرَهَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا، فَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُتْلِفَ مَالَ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَلَكِنْ الْأَحَبُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَ أَغْنَاهُمَا، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْغِنَى فَيَجِبُ أَنْ يُتْلِفَ أَقَلَّهُمَا مِقْدَارًا أَوْ قِيمَةً. وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَتْلَفَ الْأَكْثَرَ يَضْمَنُ الْمُجْبِرُ الْمِقْدَارَ الْأَقَلَّ وَالْمُكْرَهُ الزَّائِدَ عَنْهُ وَإِذَا تَسَاوَيَا فِي الْغِنَى وَتَسَاوَى الْمَالَانِ قِيمَةً. فَيُتْلِفُ مَالَ أَحْسَنِهِمَا خُلُقًا وَأَظْهَرِهِمَا جُودًا، (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى قَتْلِ فُلَانٍ أَوْ إتْلَافِ مَالِ فُلَانٍ، فَلَهُ إتْلَافُ الْمَالِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ أَمْ أَكْثَرَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَإِنْ فَعَلَ قوص؛ لِأَنَّ فِي الْمَالِ رُخْصَةً عِنْدَ الْإِكْرَاهِ أَمَّا قَتْلُ النَّفْسِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ، (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ مِنْ الْمَادَّتَيْنِ، (٢٨، ٢٩) الْقَائِلَتَيْنِ، (إذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا لِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا، وَ " يَخْتَارُ أَهْوَنَ الشَّرَّيْنِ) .
جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ، (مَالُ فُلَانٍ) وَذَلِكَ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَالٍ لِمُكْرَهٍ، حَتَّى إنَّ الْمُجْبِرَ لَوْ أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا وَأَتْلَفَهُ، لَزِمَ الْمُجْبِرَ الضَّمَانُ، مَثَلًا لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى أَكْلِ طَعَامِهِ، (أَيْ طَعَامِ الْمُكْرَهِ) فَأَكَلَهُ وَهُوَ شَبْعَانُ، كَانَ الْمُجْبِرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَحْصُلْ لِلْآكِلِ مَنْفَعَةٌ مِنْ أَكْلِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْآكِلُ جَائِعًا، وَأَكَلَ طَعَامَهُ بِنَاءً عَلَى الْإِكْرَاهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا، فَلَا يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي ذَلِكَ لِلْآكِلِ. وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أُكْرِهَ الْفَاعِلُ عَلَى لُبْسِ ثَوْبِ نَفْسِهِ حَتَّى تَخَرَّقَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ، كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحْطَاوِيِّ، أَوْ عَلَى الْحَامِلِ، كَمَا فِي النَّتِيجَةِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ، وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) .
لَا يَجُوزُ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ، بِنَاءً عَلَى الْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَجَلَّةِ، وَيُثَابُ الْمُكْرَهُ إذَا لَمْ يُتْلِفْ مَالَ الْغَيْرِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِهِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ، (١٠٠٢) ، (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .
لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَحُرْمَةَ الظُّلْمِ لَا تَنْكَشِفُ وَلَا تُبَاحُ بِحَالٍ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْأَفْعَالُ الَّتِي تَجُوزُ مَعَ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، هِيَ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَجَلَّةِ، مَالًا فَلَا يُبَاحُ قَتْلُ الْآدَمِيِّ وَإِتْلَافِهِ، يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ