وَلَيْسَ مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلٌ فِي إحْدَى الْمَادَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَبْحَثَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ يُقْبَلَ فِي الْأُخْرَى قَوْلٌ آخَرُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تُطَبَّقَ هَاتَانِ الْمَادَّتَانِ وَتُؤَوَّلَ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَإِمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي. وَبِمَا أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، هُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَمُرَجَّحٌ، كَمَا بُيِّنَ آنِفًا، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ فَيَجِبُ أَنْ تَبْقَى هَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَيَجِبُ تَأَمُّلُ الْمَادَّةِ، (١٠٣٢) وَحَمْلُهَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبِذَلِكَ تَكُونُ الرِّوَايَةُ مُطَابِقَةً لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَمُوَافِقَةً لِلْفَتْوَى، وَسَتُؤَوَّلُ الْمَادَّةُ، (١٣٢٠) أَثْنَاءَ شَرْحِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمَادَّةُ، (١٠٣٢) مُتَمِّمَةً لِهَذِهِ الْمَادَّةِ فَقَدْ كَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ وُرُودُهَا هُنَا. إنَّ لُزُومَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ مَشْرُوطٌ بِسَمَاعِ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَعَلَيْهِ فَمَتَى سَمِعَ الْعَقْدَ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ أَسَمِعَهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ أَمْ بَعْدَ مُرُورِ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ، (الدُّرَرُ، عَبْدُ الْحَلِيمِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
لَكِنْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَلْزَمُ إجْرَاءُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ عِنْدَ سَمَاعِ عَقْدِ الْبَيْعِ، بَلْ يَلْزَمُ إجْرَاؤُهُ وَقْتَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْفَسْخِ، وَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ، (١٠٢٦) وَيَجِبُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ وَقْتَ الْإِجَازَةِ. وَيَلْزَمُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَعَلَى رِوَايَةِ وَقْتِ الْعَقْدِ، (الْهِدَايَةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
٧ - طَلَبُ الشُّفْعَةِ كَقَوْلِهِ أَنَا: إنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَبِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ، فَكُلُّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ يَصِحُّ طَلَبُ الشُّفْعَةِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي، بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ، (٣) ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ بِأَيِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ جَازَ، (الْهِنْدِيَّةُ) كَطَلَبْتُ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهَا الطَّلَبُ فِي الْحَالِ لَا الْإِخْبَارُ عَنْ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ، وَقِيلَ يَقُولُ اُطْلُبْ الشُّفْعَةَ وَآخُذَهَا وَلَا يَقُولُ طَلَبْتُهَا وَأَخَذْتُهَا فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ مَحْضٌ وَالْجَوَابُ مَا قُلْنَا، (الطَّحْطَاوِيُّ) وَصِيغَةُ هَذَا الطَّلَبِ تَكُونُ بِالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِقَوْلِهِ الشُّفْعَةُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةُ. وَيُقَالُ لِهَذَا طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ. وَالْمُوَاثَبَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوُثُوبِ عَلَى وَزْنِ مُفَاعَلَةٍ، وَفِي هَذَا اسْتِعَارَةٌ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ مَعَ الْوُثُوبِ يَكُونُ أَسْرَعَ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ، سُمِّيَ بِهِ لِيَدُلَّ عَلَى غَايَةِ التَّعْجِيلِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ بِطَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِلتَّبَرُّكِ بِلَفْظِ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» . أَيْ طَلَبَهَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ، (أَبُو السُّعُود) .
قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: تَبَرُّكًا بِلَفْظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» . لَا يُشْتَرَطُ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ الْإِشْهَادُ. يَعْنِي لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ الْإِشْهَادُ، أَيْ حُضُورُ شُهُودٍ وَعَلَيْهِ فَلَوْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِي عَلَى إجْرَاءِ الشَّفِيعِ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ كَانَ الطَّلَبُ الْمَذْكُورُ مَقْبُولًا وَمُعْتَبَرًا، (التَّنْقِيحُ، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ الْإِشْهَادِ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، وَلَوْ أَمْكَنَ الْإِشْهَادُ، لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الطَّلَبِ الْمَذْكُورِ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute