لِلتَّفْرِيقِ أَيْضًا وَيُوَضِّحُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ إيرَادُ الْأَمْثِلَةِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَلَى ذَلِكَ. إنَّ هَذِهِ الْفِقْرَةَ مِنْ الْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَمَّا الْفِقْرَةُ الْآتِيَةُ فَهِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ. وَلِذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَحْدَثَ عَلَى الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ بِنَاءً أَوْ غَرَسَ فِيهِ أَشْجَارًا فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّ شُفْعَتِهِ وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَ الْمَشْفُوعَ بِإِعْطَاءِ ثَمَنِهِ، وَقِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ قَائِمَةٌ وَقَدْ فُهِمَ مِنْ الْمَوَادِّ، (٨٨٢ و ٨٨٤ و ٨٨٥) أَنَّ لِلْقِيمَةِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى فِي هَذَا بِلُزُومِ قِيمَتِهِ قَائِمًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا كَانَ مُحِقًّا فِي الْبِنَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى قَلْعِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إعْطَائِهِ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحِقًّا لِلْقَلْعِ وَكَذَلِكَ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَلْعِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَنَى فِيهِ أَوْ غَرَسَ الشَّجَرَ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ فَهُوَ مُحِقٌّ فِي بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ، مَعَ أَنَّ إجْبَارَهُ عَلَى الْقَلْعِ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي بِدُونِ حَقٍّ كَالْغَصْبِ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (٩٦٠) هَذَا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى رَأْي الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا كَانَ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلَا تُقْلَعُ وَيَلْزَمُ الشَّفِيعَ أَخْذُهَا بِقِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَلْعُهَا مُضِرًّا تُقْلَعُ، (فَتْحُ الْمُعِينِ) .
هَذِهِ الْمَادَّةُ مُتَفَرِّعَةٌ مِنْ قَاعِدَةِ " يُزَالُ الضَّرَرُ الْأَشَدُّ بِالضَّرَرِ الْأَخَفِّ " الْمُبَيَّنَةِ فِي الْمَادَّةِ، (٢٧) ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ بِهَذَا ضَرَرَانِ، أَوَّلُهُمَا ضَرَرُ إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى قَلْعِ الْأَشْجَارِ وَالْأَبْنِيَةِ وَلَيْسَ لِهَذَا الضَّرَرِ عِوَضٌ يُقَابِلُهُ، فَيَزُولُ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِلَا عِوَضٍ وَيَكُونُ هَبَاءً، مَثَلًا لَوْ أَنْشَأَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَرْصَةِ الَّتِي تُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ بِنَاءً يُسَاوِي خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَأُجْبِرَ عَلَى قَلْعِهِ فَأَنْقَاضُهُ تُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ فَقَطْ وَيَكُونُ الْأَرْبَعُمِائَة قَدْ ذَهَبَتْ أَدْرَاجَ الرِّيَاحِ، الثَّانِي ضَرَرُ إعْطَاءِ نُقُودٍ زِيَادَةً عَنْ ثَمَنِ الْمَشْفُوعِ بِإِجْبَارِهِ عَلَى إعْطَاءِ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ زِيَادَةً عَنْ ثَمَنِ الْمَشْفُوعِ إذَا أَرَادَ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ، وَفِي مُقَابِلِ هَذَا الضَّرَرِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ الْأَبْنِيَةُ أَوْ الْأَشْجَارُ، وَهِيَ تَكُونُ بَدَلًا لِلضَّرَرِ. وَعَلَيْهِ فَالضَّرَرُ الَّذِي لَهُ بَدَلٌ، أَخَفُّ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ، بِنَاءً عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ ارْتِكَابُ أَهْوَنِ الضَّرَرَيْنِ، (الْهِنْدِيَّةُ، فَتْحُ الْمُعِينِ بِإِيضَاحٍ) ، وَقَوْلُهُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ، (الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ) احْتِرَازٌ عَنْ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَاةِ شَفِيعٌ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ فِيهَا الْمُشْتَرِي زَرْعًا فَتَبْقَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَى إدْرَاكِ الزَّرْعِ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إعْطَاءُ أُجْرَةِ مُدَّةٍ مَضَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ لِوُجُودِهَا فِي مِلْكِهِ، أَمَّا بَعْدَ لُحُوقِ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ، فَيُعْطِي الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أُجْرَتَهُ فِي الْحَصَادِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّرْعِ وَالْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ هُوَ هَذَا: بِمَا أَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَيْسَ فِي تَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْخُذُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ، (فَتْحُ الْمُعِينِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
ثُمَّ إذَا تَرَكَ الْأَرْضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَتْرُكُ بِغَيْرِ أَجْرٍ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ: لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ عَقَارٍ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي، وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ بِنَاءً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute