الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ، كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ تَأْجِيلُ بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ أَيْ تَأْجِيلُ حِصَّتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ هَذَا التَّأْجِيلُ لَلَزِمَ تَقْسِيمُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ تَمْيِيزٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّمْيِيزُ فِي الشَّيْءِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ كُلَّ شَرِيكٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ يَمْلِكُ شَرِيكَهُ الْآخَرَ حِصَّتَهُ مُقَابِلَ الْحِصَّةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا مِنْ شَرِيكِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الْمَدِينِ وَلِذَلِكَ كَانَ هَذَا التَّمْلِيكُ نَقْلُ وَصْفٍ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَانْتِقَالُ الْأَوْصَافِ مُحَالٌ، لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ إلَّا وَصْفًا شَرْعِيًّا وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَقَدْ قُلْنَا إنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ أَيْ التَّأْجِيلَ تُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ حِصَّةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّأْجِيلُ لَكَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُخَالِفًا لِحِصَّةِ الْآخَرِ فِي الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ لِأَنَّ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ أَيْ الَّذِي لَمْ يُؤَجِّلْ حِصَّتَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِحِصَّتِهِ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْمُؤَجِّلِ أَنْ يُطَالِبَ بِحِصَّتِهِ فِي الْحَالِ بَلْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَمَا أَنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا فِي الْوَصْفِ إذْ إنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ: حَالٌّ، وَعَلَى النَّصِيبِ الْآخَرِ: مُؤَجَّلٌ، وَالْقِسْمَةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مُخَالَفَةِ حِصَّةٍ لِحِصَّةٍ أُخْرَى. وَهَذَا الرَّأْيُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فَالتَّأْجِيلُ صَحِيحٌ وَجَائِزٌ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ هُوَ إبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ وَمَا دَامَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُطْلَقَ جَائِزٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٠ ١ ١ ١) فَيَجُوزُ الْإِبْرَاءُ الْمُقَيَّدُ (الْهِنْدِيَّةُ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (١٣٧٧) وَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ إنَّ بَيْنَ الْإِبْرَاءِ الْمُؤَقَّتِ أَيْ التَّأْجِيلِ وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (١ ١ ١) فَرْقًا عَلَى وَجْهَيْنِ، وَلِذَلِكَ فَالْإِبْرَاءُ الْمُطْلَقُ صَحِيحٌ وَالْإِبْرَاءُ الْمُقَيَّدُ غَيْرُ صَحِيحٍ. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - هُوَ أَنَّهُ فِي الْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْإِبْرَاءِ حِصَّةٌ لِلْمُبْرِئِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ قِسْمَةُ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ بِبَقَاءِ كُلِّ حِصَّةٍ مِنْ حِصَصِ الشَّرِيكَيْنِ. أَمَّا فِي الْإِبْرَاءِ الْمُقَيَّدِ فَتَبْقَى حِصَّةُ الشَّرِيكِ الْمُبْرِئِ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَسْقُطُ مِنْهَا إلَّا التَّعْجِيلُ فَيَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةً لِلدَّيْنِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي - هُوَ أَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ الْمُقَيَّدِ إضْرَارًا بِالشَّرِيكِ وَحَيْثُ إنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِوَجْهٍ يُوجِبُ لُحُوقَ الضَّرَرِ بِالشَّرِيكِ الْآخَرِ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٨٣ ٠ ١) ، وَيُوَضَّحُ الْأَضْرَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: وَهُوَ أَنَّ التَّأْجِيلَ يُحَمِّلُ الشَّرِيكَ الْآخَرَ مُؤْنَةَ الْمُطَالَبَةِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ إذْ إنَّهُ لَوْ جَازَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ الْبَالِغِ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيَكُونُ لِلشَّرِيكِ الْمُؤَجِّلِ مُشَارَكَةُ الشَّرِيكِ الْآخَرِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي نِصْفِ الدَّيْنِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمَدِينِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (٨ ٠ ١ ١) وَبِذَلِكَ تَكُونُ الدَّنَانِيرُ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ مُشْتَرَكَةً مُنَاصَفَةً أَيْضًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِلشَّرِيكِ الْمُؤَجِّلِ أَنْ يُؤَجِّلَ حِصَّةَ الدَّنَانِيرِ الْخَمْسَةِ مَرَّةً أُخْرَى فَإِذَا قَبَضَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ الْعَشَرَةِ يَرْجِعُ الشَّرِيكُ الْمُؤَجِّلُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ عَلَى الشَّرِيكِ الْقَابِضِ وَيُشَارِكُهُ فِيمَا قَبَضَهُ ثُمَّ يَتَكَرَّرُ التَّأْجِيلُ وَالْمُشَارَكَةُ عَلَى الْوَجْهِ السَّالِفِ وَبِذَلِكَ يَحْمِلُ مُؤْنَةَ الْمُطَالَبَةَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِلشَّرِيكِ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ.
أَمَّا فِي الْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ فَحَيْثُ لَا يَحِقُّ لِلشَّرِيكِ الْمُبْرِئِ أَنْ يَشْتَرِكَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فِيمَا يَقْبِضُهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْإِبْرَاءِ إضْرَارٌ بِالشَّرِيكِ (الْكِفَايَةُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute