للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ تَعْرِيفِ الْقَرْضِ وَرُكْنِهِ) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - الْقَرْضُ (بِالْفَتْحِ، وَالْكَسْرِ) مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ: الْمَالُ الَّذِي يُعْطَى عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَلُهُ، وَيَكُونُ قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلِيًّا. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْقَرْضُ بِمَعْنَى الْمَقْرُوضِ. أَمَّا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ: فَهُوَ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ يَرِدُ عَلَى دَفْعِ وَإِعْطَاءِ الْمَالِ الْمِثْلِيِّ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ. وَيَخْرُجُ بِقَيْدِ " عَلَى أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ "، الْوَدِيعَةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ يَجِبُ رَدُّهُمَا عَيْنًا كَمَا أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا يَلْزَمُ رَدُّهُمَا عَيْنًا أَوْ بَدَلًا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - يَنْعَقِدُ الْقَرْضُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ أَيْ يُقَيَّدُ الْمِلْكِيَّةَ مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُقْرِضُ لِلْمُسْتَقْرِضِ: قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَذِهِ الْخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً قَرْضًا لَكَ. وَأَجَابَ الْمُسْتَقْرِضُ قَائِلًا: قَبِلْتُ يَنْعَقِدُ الْقَرْضُ. كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: اعْطِنِي خَمْسَ كَيْلَاتٍ حِنْطَةً عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَ لَكَ مِثْلَهَا بَعْدُ وَأَعْطَاهُ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ قَرْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ بِتَغْيِيرِ) وَلَا يَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ بَيْعًا حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْعًا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ رِبًا.

كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ لِآخَرَ نُقُودًا قَائِلًا لَهُ: اصْرِفْ هَذِهِ عَلَى مَصَارِفِكَ أَوْ حَوَائِجِكَ أَوْ عَلَى الْغُزَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ بِأَنَّ ذَلِكَ قَرْضٌ أَوْ هِبَةٌ وَقَبَضَ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ هِبَةً بَلْ يَكُونُ قَرْضًا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ الْقَرْضَ وَالْهِبَةَ وَبِمَا أَنَّ الْقَرْضَ أَدْنَى مِنْ الْهِبَةِ فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْقَرْضِ. أَمَّا لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ لِآخَرَ أَثْوَابًا قَائِلًا لَهُ: الْبَسْهَا فَقَبَضَهَا فَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْهِبَةِ لِلتَّصَرُّفِ (الْبَزَّازِيَّةُ قُبَيْلَ الثَّانِي فِي الْبُيُوعِ) .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - يَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْقَرْضِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَبِلَفْظِ الْإِعَارَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا أَعْطَى أَيَّ شَيْءٍ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ قَرْضًا بِاسْمِ عَارِيَّةٍ فَهُوَ قَرْضٌ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ) مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: قَدْ أَعَرْتُكَ هَذِهِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً، وَقَبِلَ الْآخَرُ ذَلِكَ، وَقَبَضَ الْحِنْطَةَ كَانَ قَرْضًا وَلِهَذَا مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ قَدْ ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (٨٨٠) فِي شَرْحِ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ قَرْضًا وَأُعْطِي بِاسْمِ عَارِيَّةٍ فَهُوَ عَارِيَّةٌ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ الثَّالِثَةَ (الْهِنْدِيَّةُ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ - يَصِحُّ الْقَرْضُ الَّذِي يُعْطَى بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ كَفِيلًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ حَاضِرًا أَوْ كَانَ غَائِبًا وَسَوَاءٌ كَفِلَ أَوْ لَمْ يُكْفَلْ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْبُيُوعِ) . وَيَكُونُ لِلْمُقْرِضِ الْحَقُّ إذَا لَمْ يُقَدِّمْ الْكَفِيلَ بِفَسْخِ الْقَرْضِ وَاسْتِرْدَادِ الْمَقْرُوضِ حَالًّا وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمُقْرِضِ مَوْجُودٌ وَثَابِتٌ حَتَّى لَوْ أَعْطَى كَفِيلٌ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>