للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ (فِي حَقِّ كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَصُورَةِ بَرَاءَةِ الْمَدِينِ وَأَسْبَابِ سُقُوطِ الدَّيْنِ) .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ - يُؤَدَّى الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الدَّائِنُ مُقَابِلَ مَطْلُوبِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَيْثُ إنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَبِمَا أَنَّ لِلدَّائِنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ مَطْلُوبًا بِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَالِ فَلِذَلِكَ يَقَعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الدَّيْنَيْنِ تَقَاصٌّ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُصَادِفُ الْعَيْنَ مَعَ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَلِذَلِكَ يُقَالُ: الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (الْأَنْقِرْوِيُّ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٥٨ ١) .

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ - يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ الدَّيْنِ بِتِسْعِ صُوَرٍ:

(أَوَّلًا) بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لِلدَّائِنِ أَوْ بِأَدَائِهِ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَهَذَا يَكُونُ بِأَدَاءِ مِثْلِ الْمَالِ الْمُقْرَضِ أَوْ بِبَيْعِ الْمَدِينِ أَوْ بِإِيجَارِهِ لِلدَّائِنِ مَالًا مُقَابِلَ دَيْنَهُ. إيضَاحُ بَدَلِ الْمِثْلِ: إذَا أَدَّى مِثْلَ الْمَقْرُوضِ يَكُونُ قَدْ أَدَّى الدَّيْنَ وَلَا يَلْتَفِتُ لِلرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ الدَّرَاهِمَ الْمَكْسُورَةَ مَغْشُوشَةً عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا دَرَاهِمَ صَحِيحَةً يَبْطُلُ هَذَا الشَّرْطُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

مَثَلًا: لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ خَمْسِينَ دِينَارًا عُثْمَانِيًّا بَيْنَمَا كَانَ الدِّينَارُ الْوَاحِدُ رَائِجًا بِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةِ قُرُوشٍ ثُمَّ نَزَلَ سِعْرُ الدِّينَارِ إلَى مِائَةِ قِرْشٍ أَوْ صَعَدَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا فَيَكُونُ الْمُسْتَقْرِضُ مَجْبُورًا عَلَى أَدَاءِ الْخَمْسِينَ الدِّينَارِ الْمَذْكُورَةِ، وَالنُّقُودُ الْفِضِّيَّةُ تُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، كَذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً أَثْنَاءَ مَا كَانَ سِعْرُ الْكَيْلَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ صَعِدَتْ قِيمَةُ الْكَيْلَةِ إلَى أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ هَبَطَتْ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَالْمُسْتَقْرِضُ مَجْبُورٌ عَلَى إعْطَاءِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَهَامِشُ الْبَهْجَةِ فِي الْمُدَايَنَاتِ) إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِعْطَاءُ بِقَصْدِ أَدَاءِ الدَّيْنِ لَا يَبْرَأُ الْمَدِينُ. وَذَلِكَ إذَا أَحْضَرَ الْمَدِينُ دَيْنَهُ لِدَائِنِهِ وَأَعْطَاهُ لَهُ لِيَنْتَقِدَ مِنْهُ الصَّحِيحَ مِنْ الزَّائِفِ فَضَاعَتْ النُّقُودُ فِي يَدِ الدَّائِنِ أَثْنَاءَ ذَلِكَ فَالضَّيَاعُ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْمَدِينِ وَيَبْقَى دَيْنُ الدَّائِنِ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ وَكِيلُ الْمَدِينِ فِي الِانْتِقَادِ فَكَانَتْ يَدُهُ كَيَدِ الْمَدِينِ (الْخَانِيَّةُ فِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدِينِ) أَمَّا إذَا أَعْطَى الْمَدِينُ دَيْنَهُ لِلدَّائِنِ دُونَ أَنْ يَتَكَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ أَدَّى الدَّائِنُ النُّقُودَ الْمَذْكُورَةَ لِلْمَدِينِ لِيَنْتَقِدَهَا وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَتَكُونُ تَالِفَةً مِنْ مَالِ الدَّائِنِ لِأَنَّ الدَّائِنَ قَدْ أَخَذَ حَقَّهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِلْمَدِينِ لِيَنْتَقِدَهَا وَأَصْبَحَ الْمَدِينُ وَكِيلًا لِلدَّائِنِ فِي الِانْتِقَادِ فَهَلَاكُ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمَدِينِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الدَّائِنِ (الْخَانِيَّةُ فِيمَا ذَكَرَ) إيضَاحُ الْبَيْعِ: إذَا بَاعَ الْمَدِينُ مَالًا لِلدَّائِنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ مُقَابِلَ دَيْنِهِ بِرِضَاءِ الدَّائِنِ وَأَدَّى دَيْنَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيُصْبِحُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يَلْزَمْ افْتِرَاقُ دَيْنٍ عَنْ دَيْنٍ.

فَلِذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَ أَحَدٌ آخَرَ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً فَطَلَبَهَا الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ فَرَضِيَ الْمُسْتَقْرِضُ أَنْ يُعْطِيَ لِلْمُقْرِضِ بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَرَضِيَ الدَّائِنُ بِذَلِكَ وَعَقَدَ الطَّرَفَانِ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَبَضَ الْمُقْرِضُ الْخَمْسَمِائَةِ الدِّرْهَمِ فِي الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الدَّيْنُ أَيْ الْخَمْسُونَ كَيْلَةً حِنْطَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>