وَإِنَّ عِبَارَةَ فَسَاهَمَ الْوَارِدَةَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هِيَ بِمَعْنَى فَقَارَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ الْمَغْلُوبِينَ بِالْقُرْعَةِ فَأَلْقَوْهُ فِي الْبَحْرِ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ أَيْ ابْتَلَعَهُ وَهُوَ آتٍ بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ لِذَهَابِهِ إلَى الْبَحْرِ وَرُكُوبِهِ السَّفِينَةَ بِلَا إذْنٍ مِنْ رَبِّهِ. وَخُلَاصَةُ الْقِصَّةِ هِيَ أَنَّ النَّبِيَّ يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَضِبَ مِنْ قَوْمِهِ فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَرَكِبَ سَفِينَةً مَلْأَى بِالرُّكَّابِ وَفِي أَثْنَاءِ السَّيْرِ تَوَقَّفَتْ السَّفِينَةُ فِي عَرَضِ الْبَحْرِ وَلَمْ تَسْرِ فَقَالَ رُكَّابُ السَّفِينَةِ: إنَّ عَدَمَ سَيْرِ السَّفِينَةِ لَا بُدَّ أَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ فِرَارِ عَبْدٍ مِنْ مَوْلَاهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارُ هَذَا الْعَبْدِ بِالْقُرْعَةِ فَوَافَقَ يُونُسُ عَلَى الِاقْتِرَاعِ وَلَدَى سَحْبِ الْقُرْعَةِ أَصَابَتْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ فِي الْيَمِّ بِحُكْمِ تِلْكَ الْقُرْعَةِ فَابْتَلَعَهُ الْحُوتُ حِينَ إلْقَائِهِ بِنَفْسِهِ (أَبُو السُّعُودِ) .
قَدْ ذَكَرَ بِأَنَّ سَحْبَ الْقُرْعَةِ هُوَ لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ (الْهِدَايَةُ وَأَبُو السُّعُودِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) كَمَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي عِبَارَةِ الْمَجَلَّةِ مَا يُفِيدُ لُزُومُ إجْرَاءِ الِاقْتِرَاعِ. فَتَكُونُ الْحِصَّةُ الْأُولَى لِصَاحِبِ الِاسْمِ الَّذِي يَخْرُجُ أَوَّلًا وَالسَّهْمُ الثَّانِي لِصَاحِبِ الِاسْمِ الَّذِي يَخْرُجُ ثَانِيًا وَالنَّصِيبُ الثَّالِثُ لِصَاحِبِ الِاسْمِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي الْقُرْعَةِ ثَالِثًا. وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سَحْبُ الْقُرْعَةِ لِمَعْرِفَةِ اسْمِ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ اسْمُ شَرِيكَيْهِ يَتَعَيَّنُ اسْمُ الشَّرِيكِ الثَّالِثِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْحِصَصُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَتَجْرِي الْمُعَامَلَةُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَيْضًا، وَإِيضَاحُ هَذِهِ الْقُرْعَةِ هُوَ إذَا خَرَجَتْ أَقَلُّ الْحِصَصِ يَكُونُ قَدْ خَرَجَ أَكْثَرُهَا أَمَّا إذَا خَرَجَ الْأَكْثَرُ فَلَا يَخْرُجُ الْأَقَلُّ فَلِذَلِكَ تُقَسَّمُ الْحِصَصُ عَلَى الْأَقَلِّ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِطْعَةُ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَكَانَ نِصْفُهَا لِوَاحِدٍ وَالثُّلُثُ لِآخَرَ وَسُدُسُهَا لِثَالِثٍ فَإِذَا لَزِمَ إجْرَاءُ قِسْمَتِهَا فَتُقَسَّمُ الْحِصَصُ إلَى سِتَّةِ سِهَامٍ أَيْ يُعْتَبَرُ السَّهْمُ الْأَقَلُّ فَإِذَا خَرَجَ عِنْدَ سَحْبِ الْقُرْعَةِ اسْمُ صَاحِبِ السُّدُسِ أَوَّلًا فَيَأْخُذُ السَّهْمَ الْأَوَّلَ وَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ تَمَامَ حِصَّتِهِ أَمَّا إذَا خَرَجَ فِي الْأَوَّلِ اسْمُ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَيَأْخُذُ السَّهْمَ الْأَوَّلَ مَعَ السَّهْمِ الثَّانِي الْمُتَّصِلِ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ تَمَامَ حَقِّهِ.
كَذَلِكَ إذَا خَرَجَ فِي الْأَوَّلِ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ فَيَأْخُذُ السَّهْمَ الْأَوَّلَ وَالسَّهْمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ الْمُتَّصِلِينَ بِهِ وَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ تَمَامَ حَقِّهِ وَتَكُونُ حِصَصُهُ مَجْمُوعَةً فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ غَيْرَ مُنْفَصِلَةٍ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ.
كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ قِطْعَةُ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ وَكَانَ لِأَحَدِهِمْ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْآخَرِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَلِلثَّالِثِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَكَانَ صَاحِبُ الْأَسْهُمِ الْعَشَرَةِ يَطْلُبُ حِصَصَهُ مُتَّصِلَةً بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلَمْ يَقْبَلْ بِذَلِكَ صَاحِبُ السَّهْمِ وَلَزِمَ إجْرَاءُ الْقُرْعَةِ بَيْنَهُمْ فَتُقْسَمُ تِلْكَ الْقِطْعَةُ تِسْعَةَ عَشَرَةَ سَهْمًا وَيُسَوَّى وَيُعَدَّلُ كُلُّ سَهْمٍ مِنْ تِلْكَ السِّهَامِ ثُمَّ تُسْحَبُ الْقُرْعَةُ فَإِذَا خَرَجَ فِي الْأَوَّلِ اسْمُ صَاحِبِ الْعَشَرَةِ الْأَسْهُمِ فَيُعْطَى لَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَتِسْعَةُ أَسْهُمٍ مُتَّصِلَةٍ بِهِ ثُمَّ تُسْحَبُ الْقُرْعَةُ عَلَى السِّتَّةِ الْأَسْهُمِ الْبَاقِيَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِذَا خَرَجَ فِي الْأَوَّلِ اسْمُ صَاحِبِ الْخَمْسَةِ الْأَسْهُمِ فَيَأْخُذُ السَّهْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةَ الْأَسْهُمَ الْمُتَّصِلَةَ بِهِ وَيَكُونُ السَّهْمُ السَّادِسَ عَشَرَ لِصَاحِبِ السَّهْمِ الْوَاحِدِ.
فَإِذَا كَانَ الْمَالُ الْمُرَادُ تَقْسِيمُهُ سِتِّينَ شَاةً مَثَلًا فَيَكْتُبُ الْقَسَّامُ عَلَى الْوَرَقِ أَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute