آخَرَ وَتَأَذَّى صَاحِبُ الدَّارِ مِنْ غُبَارِ الْبَيْدَرِ بِحَيْثُ أَصْبَحَ لَا يَسْتَطِيعُ السُّكْنَى فِي الدَّارِ فَيَدْفَعُ ضَرَرَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ بِنَاءً مُرْتَفِعًا فِي قُرْبِ بَيْدَرِ آخَرَ وَسَدَّ مَهَبَّ الرِّيحِ فَيُزَالُ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ فَاحِشٌ. كَذَلِكَ لَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ مَطْبَخًا فِي سُوقِ الْبَزَّازِينَ وَكَانَ دُخَانُ الْمَطْبَخِ يُصِيبُ أَقْمِشَةً وَيَضُرُّهَا فَيُدْفَعُ الضَّرَرُ. وَكَذَلِكَ لَوْ انْشَقَّ بَالُوعُ دَارِ أَحَدٍ وَجَرَى إلَى دَارِ جَارِهِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَاحِشٌ فَيَجِبُ تَعْمِيرُ الْبُلُوغِ الْمَذْكُورِ وَإِصْلَاحُهُ بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْجَارِ) .
يُدْفَعُ الضَّرَرُ الْفَاحِشُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٠) وَيُشَارُ بِهَذَا التَّعْبِيرِ إلَى لُزُومِ دَفْعِ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ كَامِلًا عَنْ الْمُتَضَرِّرِ كَمَا أَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِعْمَالَ الْأَهْوَنِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ لِلضَّرَرِ فَيُدْفَعُ الضَّرَرُ بِالْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُهُ مُحْدِثُ الضَّرَرِ وَذَلِكَ لَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ نَافِذَةً مُطِلَّةً عَلَى مَقَرِّ نِسَاءِ آخَرَ فَيُجْبَرُ عَلَى وَضْعِ سِتَارٍ مِنْ الْخَشَبِ لِمَنْعِ النَّظَرِ عَنْ مَقَرِّ النِّسَاءِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى سَدِّ النَّافِذَةِ فِي كُلِّ حَالٍ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (١٢٠٢) .
كَذَلِكَ قَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ الذِّكْرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الضَّابِطِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا اتَّخَذَ أَحَدٌ حُفْرَةً قُرْبَ حَائِطِ جَارِهِ لِوَضْعِ الْأَوْسَاخِ فِيهَا فَحَصَلَ ضَرَرٌ لِلْحَائِطِ مِنْ امْتِصَاصِ مَاءِ الْأَوْسَاخِ فَإِذَا كَانَ مُمْكِنًا إزَالَةُ الضَّرَرِ كَامِلًا بِتَشْيِيدِهَا بِالْكَلْسِ وَالْإِسْمَنْتِ فَيُزَالُ الضَّرَرُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَا يَجِبُ رَدْمُ الْحُفْرَةِ عَلَى كُلِّ حَالِ.
مَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى ذَلِكَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - مَثَلًا لَوْ اتَّخَذَ أَحَدٌ دُكَّانَ حَدَّادٍ أَوْ نَجَّارٍ أَوْ طَاحُونًا فِي جِوَارِ دَارِ آخَرَ بَعْدَ إنْشَاءِ تِلْكَ الدَّارِ فَحَصَلَ مِنْ طَرْقِ الْحَدِيدِ أَوْ مِنْ شُغْلِ النِّجَارَةِ أَوْ مِنْ دَوَرَانِ الطَّاحُونِ وَهَنٌ لِبِنَاءِ تِلْكَ الدَّارِ أَوْ أَحْدَثَ بِجِوَارِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ فُرْنًا دَائِمًا كَفُرْنِ السُّوقِ أَوْ أَحْدَثَ مَعْصَرَةً أَوْ مَصْبَنَةً بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ صَاحِبُ الدَّارِ السُّكْنَى فِيهَا لِتَأْذَيْهِ مِنْ الدُّخَانِ وَمِنْ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ أَوْ اتَّخَذَ أَحَدٌ دُكَّانَ حَلَّاجٍ مُتَّصِلَةً بِدَارِ آخَرَ وَكَانَ صَاحِبُ الدَّارِ لَا يَسْتَطِيعُ السُّكْنَى فِيهَا مِنْ صَوْتِ الْحَلْجِ فَلِكُلِّ ذَلِكَ ضَرَرٌ فَاحِشٌ يُدْفَعُ وَيُزَالُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَضْرَارِ يُوجِبُ وَهَنَ الْبِنَاءِ وَبَعْضَهَا يُوجِبُ مَنْعَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ السُّكْنَى فِي الدَّارِ (الطَّحْطَاوِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ الْقَضَاءِ، وَالْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْحِيطَانِ) .
وَقَدْ أُشِيرَ شَرْحًا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْفُرْنِ هُوَ الْفُرْنُ الدَّائِمِيُّ أَوْ فُرْنُ السُّوقِ، أَمَّا الْفُرْنُ الَّذِي يُتَّخَذُ خِصِّيصًا لِلدَّارِ فَهُوَ جَائِزٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ عَلَى الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - كَذَلِكَ لَوْ نَصَّبَ أَحَدٌ مِنْوَالًا لِاسْتِخْرَاجِ الْحَرِيرِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْجِيرَانِ مِنْ الدُّخَانِ وَمِنْ رَائِحَةِ الدِّيدَانِ يُمْنَعُ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي عَنْ الْقُنْيَةِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute