فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُحْدِثَ شَرِكَةً فِي رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ مَا أُذِنَ وَفُوِّضَ بِهِ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمُضَارِبِ إعْطَاءُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِآخَرَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَلْزِمُ مِثْلَهُ أَوْ أَعْلَاهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) سُؤَالٌ - لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ وَيَرَى هُنَا أَنَّ الشَّيْءَ اسْتَلْزَمَ مِثْلَهُ؟ الْجَوَابُ - بِمَا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْمُسْتَعَارِ فَتَصَرُّفُهُ بِصُورَةِ الْإِعَارَةِ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِيَّةِ أَمَّا تَصَرُّفُ الْمُضَارِبِ فَلَيْسَ بِحُكْمِ الْمِلْكِيَّةِ بَلْ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ التَّنْصِيصُ أَوْ التَّفْوِيضُ الْمُطْلَقُ لِجَوَازِ إعْطَاءِ الْمَالِ مُضَارَبَةً كَمَا فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْخَاصِّ تَوْكِيلُ الْآخَرَ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الْأَصِيلُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) إذَا أَعْطَى الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ لِآخَرَ مُضَارَبَةً بِدُونِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ ضَمَانٌ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي وَبِتَلَفِ الْمَالِ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَقُمْ الْمُضَارِبُ الثَّانِي بِعَمَلٍ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ كَاشْتِرَاءِ مَالٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ كَالْإِيدَاعِ وَلِلْمُضَارِبِ الْإِيدَاعُ كَمَا أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ الْمَالَ مِنْ الْمُضَارِبِ الثَّانِي فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ فَقَطْ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي أَوْ عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ دَاخِلٍ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ كَهِبَتِهِ لِآخَرَ وَتَسْلِيمِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ أَيْ الْمُضَارِبِ الثَّانِي فَقَطْ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) أَمَّا إذَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي فِيهَا بِعَمَلٍ دَاخِلٍ فِي أَعْمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ حَصَلَ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ وَبِصَيْرُورَةِ الْمَالِ مَضْمُونًا قَدْ أُقِيمَ سَبَبُ حُصُولِ الرِّبْحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ حُصُولِ الرِّبْحِ، وَلَكِنْ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةِ كَوْنِ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ صَحِيحَةً فَلِذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةً فَلَا يَلْزَمُ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ ضَمَانٌ حَتَّى لَوْ عَمِلَ الْمُضَارِبُ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي أَجِيرًا وَبِمَا أَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ فَلَا تَثْبُتُ الْمُضَارَبَةُ وَلَهُ أَجْرٌ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا شَرَطَهُ لَهُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . يَعْنِي: وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ أَخْذِ الثَّانِي أُجْرَتَهُ إذَا كَانَتْ الْأُولَى صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلِلْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ أَيْضًا وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَإِذَا لَزِمَ ضَمَانٌ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ الثَّانِي فِي الْمَالِ كَمَا وُضِّحَ آنِفًا فَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ رَأْسَ مَالِهِ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ قَدْ تَعَدَّى عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ حَيْثُ قَدْ أَعْطَى ذَلِكَ الْمَالَ لِآخَرَ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الثَّانِيَ قَدْ قَبَضَ ذَلِكَ الْمَالَ دُونَ الْمَالِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُضَارِبَ الثَّانِيَ وَأَنْ يَطْلُبَ الرِّبْحَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَمَلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ الْمَالُ مَغْصُوبًا وَحَقُّ رَبِّ الْمَالِ هُوَ فِي تَضْمِينِ الْبَدَلِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الرِّبْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute