الْوَجْهُ الثَّانِي يُقَسَّمُ الْإِبْرَاءُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ أَيْضًا.
أَوَّلًا يَكُونُ الْإِبْرَاءُ مُتَعَلِّقًا فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ سَوَاءٌ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ، أَوْ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ، أَوْ دَعْوَى الْعَيْنِ الْأَمَانَةِ، أَوْ دَعْوَى الْحُقُوقِ الْأُخْرَى كَدَعْوَى الشُّفْعَةِ وَحَقِّ الْمَسِيلِ، وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ فِي ذَلِكَ.
إنَّ الْإِبْرَاءَ الْوَارِدَ ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ (الْ ١٥٦٥) هُوَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ كَمَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْوَارِدَ ذِكْرُهُ فِي مَادَّتَيْ (١٥٦٤، ١٥٦٦) هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
ثَانِيًا الْإِبْرَاءُ الْمُتَعَلِّقُ بِنَفْسِ الدَّيْنِ كَإِبْرَاءِ الدَّائِنِ الْمَدِينَ مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ، أَوْ مِنْ كُلِّهِ. مَثَلًا لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ عَيْنًا وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ، ثُمَّ أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ مِنْ ذَلِكَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ بَدَلِ الضَّمَانِ (رِسَالَةُ الْإِقْرَارِ لِابْنِ عَابِدِينَ) .
ثَالِثًا - يَكُونُ الْإِبْرَاءُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ الْمَضْمُونِ كَقَوْلِك لِشَخْصٍ: أَبْرَأْتُك مِنْ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ لِذَلِكَ اللَّفْظِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ، وَإِسْقَاطُ الْعَيْنِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَهَذَا الْإِبْرَاءُ بَاطِلٌ مِنْ حَيْثُ الدَّعْوَى وَلَا يَثْبُتُ مِلْكُ الْمُبْرَأِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ (رِسَالَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) أَيْ: إنَّ هَذَا الْإِبْرَاءَ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الدَّعْوَى حَيْثُ إنَّ الْعَيْنَ لَا تَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ فَلِذَلِكَ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُبْرَأِ بِهَذَا الْإِبْرَاءِ وَلِلْمُبْرِئِ أَنْ يَدَّعِيَ تِلْكَ الْعَيْنَ مِنْ الْمُخَاطَبِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَيَصِحُّ هَذَا الْإِبْرَاءُ مِنْ حَيْثُ نَفْيُ وَصْفِ الضَّمَانِ. يَعْنِي أَنَّهُ يُحْمَلُ هَذَا الْإِبْرَاءُ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ ضَمَانِ الرَّدِّ وَتَدْخُلُ الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ بِهَذَا الْإِبْرَاءِ فِي حَالَةِ الْأَمَانَةِ، فَإِذَا تَلِفَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي يَدِ الْمُبْرِئِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ مَا لَمْ تَتْلَفْ بَعْدَ مَنْعِهَا بَعْدَ الطَّلَبِ، أَوْ أَنْ يَسْتَهْلِكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَسْقُطُ بِهَذَا الْإِبْرَاءِ حَقُّ الْمُبْرِئِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ (رِسَالَةُ الْإِقْرَارِ لِابْنِ عَابِدِينَ) وَلَيْسَ هَذَا الْإِبْرَاءُ إبْرَاءً مِنْ ضَمَانِ الْقِيمَةِ. لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا عَيْنًا فَالْوَاجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ تِلْكَ الْعَيْنِ وَلَيْسَ رَدَّ قِيمَتِهَا فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا (رِسَالَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ)
رَابِعًا - الْإِبْرَاءُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ كَقَوْلِهِ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا إلَيَّ قِبَلَهُ وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ بَرَاءَةٍ سَابِقَةٍ حَاصِلَةٍ عَنْ سَبَبٍ صَالِحٍ، وَنَفْيٍ أَصْلِيٍّ لِعَيْنِ الْمَالِ وَهَذَا الْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ يَشْمَلُ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ الْمَضْمُونَةَ وَالْأَمَانَةَ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ. لِأَنَّ كَلِمَةَ " قِبَلَ " تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمَانَاتِ وَالْمَضْمُونَاتِ (رِسَالَةُ الْإِبْرَاءِ لِابْنِ عَابِدِينَ، رِسَالَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ عِنْدَ وُجُودِ الْمُنَازِعِ: لَيْسَ لِي فِي هَذِهِ الْعَيْنِ مِلْكٌ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّعْوَى عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ (رِسَالَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الِادِّعَاءُ بِتِلْكَ الدَّارِ، وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُدَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ بَرَاءَةٌ مِنْ مِلْكِهَا وَمِنْ كُلِّ حَقٍّ فِيهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا حَادِثًا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَتُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ (مُحِيطُ الْبُرْهَانِ) خَامِسًا - الْإِبْرَاءُ الْمُتَعَلِّقُ بِعَيْنِ الْأَمَانَةِ: إنَّ هَذَا الْإِبْرَاءَ بَاطِلٌ دِيَانَةً. يَعْنِي لَوْ أَبْرَأَ أَحَدٌ آخَرَ مِنْ الْفَرَسِ الَّتِي سَلَّمَهَا لَهُ أَمَانَةً كَانَ الْإِبْرَاءُ بَاطِلًا وَلِلْمُبْرِئِ بَعْدَ هَذَا الْإِبْرَاءِ إذَا ظَفِرَ بِتِلْكَ الْفَرَسِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute