شَخْصَيْنِ صُلْحًا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: إذَا أَضَافَ ذَلِكَ الْفُضُولِيُّ الصُّلْحَ إلَى نَفْسِهِ كَأَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ مَثَلًا: صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاكَ مَعَ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَصَالَحَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ صَحَّ الصُّلْحُ، وَيَلْزَمُ بَدَلُ الصُّلْحِ ذَلِكَ الْفُضُولِيَّ، وَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ، أَوْ يُضِفْ الصُّلْحَ إلَى مَالِهِ، أَوْ ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْفُضُولِيِّ الصُّلْحَ إلَى نَفْسِهِ تَنْفُذُ فِي حَقِّهِ، وَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ بَدَلَ الصُّلْحِ مُقَابِلَ إسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْفُضُولِيِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَدَلِ الصُّلْحِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَصَلَ الصُّلْحُ بِأَمْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: إذَا أَضَافَ الْفُضُولِيُّ عَقْدَ الصُّلْحِ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي: تَصَالَحْ مَعَ فُلَانٍ عَنْ دَعْوَاك فَفِي هَذِهِ الْحَالِ يُوجَدُ صُوَرٌ خَمْسٌ: فَفِي أَرْبَعٍ مِنْهَا يَكُونُ الصُّلْحُ لَازِمًا، وَفِي الْخَامِسَةِ مِنْهَا يَكُونُ مَوْقُوفًا، وَوَجْهُ الْحَصْرِ هُوَ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إمَّا أَنْ يَضْمَنَ بَدَلَ الصُّلْحِ، أَوْ لَا يَضْمَنَ فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ الصُّلْحَ إلَى مَالِهِ، أَوْ لَا يُضِيفَهُ، فَإِذَا لَمْ يُضِفْهُ إمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَى نَقْدٍ، أَوْ عَرَضٍ، أَوْ لَا يُشِيرَ فَإِذَا لَمْ يُشِرْ إمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ، أَوْ لَا يُسَلِّمَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيُوَضَّحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ حَسَبَ مَا يَأْتِي: قَدْ ذُكِرَتْ صُوَرُ إضَافَةِ الْفُضُولِيِّ الصُّلْحَ إلَى نَفْسِهِ، أَوْ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ آنِفًا إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ الْفُضُولِيُّ لِلْمُدَّعِي: قَدْ صَالَحْتُكَ مَعَ فُلَانٍ عَنْ دَعْوَاكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَيُنَفَّذُ الصُّلْحُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَقِّ الْفُضُولِيِّ، وَيَلْزَمُهُ بَدَلُ الصُّلْحِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْوَجْهِ الثَّانِي، وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلَاتُ الْآتِيَةُ (الْخَانِيَّةُ) .
الصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ: وَهُوَ إذَا ضَمِنَ الْفُضُولِيُّ بَدَلَ الصُّلْحِ مَثَلًا: لَوْ قَالَ الْفُضُولِيُّ لِلْمُدَّعِي: صَالِحْ فُلَانًا عَنْ دَعْوَاك مَعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَنَا ضَامِنٌ لَك ذَلِكَ الْمَبْلَغِ، وَقَبِلَ الْمُدَّعِي تَمَّ الصُّلْحُ، وَصَحَّ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ سِوَى الْبَرَاءَةِ، فَكَمَا أَنَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى بَرَاءَتِهِ بِنَفْسِهِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا أَنْ يَحْصُلَ عَلَى بَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الْفُضُولِيَّ بَدَلُ الصُّلْحِ بِسَبَبِ عَقْدِهِ لِلصُّلْحِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَفِيرًا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ بِسَبَبِ ضَمَانِهِ (الزَّيْلَعِيّ وَالْهِنْدِيَّةُ) .
وَالْفُضُولِيُّ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ الَّذِي ضَمِنَهُ بِلَا أَمْرٍ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمَّا إذَا ضَمِنَهُ بِأَمْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا (الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ) : وَلَيْسَ لِلْمُصَالِحِ الْفُضُولِيِّ الْمُدَاخَلَةُ بِالْمُدَّعَى بِهِ أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: بِمَا أَنَّنِي أَعْطَيْتُ بَدَلَ الصُّلْحِ فَالْمُدَّعَى بِهِ لِي بَلْ يَكُونُ الْمُدَّعَى بِهِ لِمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ هَذَا الصُّلْحِ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ (الْهِدَايَةُ وَالزَّيْلَعِيّ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا فَلَيْسَ لِلْفُضُولِيِّ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُدَاخَلَةُ فِي الْمُدَّعَى بِهِ (الْهِدَايَةُ) .
وَمُؤَاخَذَةُ الْفُضُولِيِّ بِبَدَلِ الصُّلْحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِكَفَالَتِهِ.
لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْأَصْلِ وَبِمَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرٌ فَلَا يَكُونُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ (الْخَانِيَّةُ) فِيهِ نَظَرٌ؟ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٨١) وَشَرْحَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute