مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ (ثَالِثًا) - أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ غَيْرُ مُضِرٍّ؛ إذْ إنَّ جَهَالَةَ الْبَدَلِ بَاعِثَةٌ لِلنِّزَاعِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالْكِفَايَةُ) .
فَلِذَلِكَ إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مَجْهُولًا، أَوْ كَانَ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ كَالْحَيَوَانِ الْآبِقِ وَالسَّمَكِ الَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالطَّيْرِ الطَّائِرِ، أَوْ كَانَ تَسْلِيمُهُ مُضِرًّا كَعَمُودِ الْبَيْتِ، وَكُمِّ الثَّوْبِ فَلَا يَصِحُّ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مُحْتَاجًا لِلتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَكَانَ مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ.
مَثَلًا لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي حَقًّا مِنْ دَارٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا هُوَ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَتَصَالَحَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُدَّعِي كَذَا دِرْهَمًا بَدَلَ صُلْحٍ، وَأَنْ يُعْطِيَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ الْحَقَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ (الْخَانِيَّةُ) كَيْفِيَّةُ الْعِلْمِ - إنَّ كَيْفِيَّةَ عِلْمِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وَالْمُصَالَحِ عَنْهُ تُوَضَّحُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا فِي الْمَجْلِسِ يُعْلَمُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَيَانُ مِقْدَارِهِ وَوَصْفِهِ، فَإِذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ غَيْرَ النَّقْدِ فَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ مَثَلًا: لَوْ حَصَلَ صُلْحٌ عَنْ دَعْوَى دَارٍ بِصُبْرَةِ حِنْطَةٍ مَوْجُودَةٍ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا مِقْدَارُ تِلْكَ الصُّبْرَةِ، وَيَأْخُذُهَا الْمُصَالِحُ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهَا، وَلَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ إعْطَاءِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنْ مِثْلِهَا (الْبَزَّازِيَّةُ) .
أَمَّا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ غَيْرَ حَاضِرٍ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ فَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ مِنْ جِهَةِ الْبَدَلِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - يَكُونُ بَدَلُ الصُّلْحِ إمَّا ذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ فَإِذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْدَيْنِ فَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ بَيَانُ مِقْدَارِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٤٣) وَشَرْحَهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَيَلْزَمُ بَيَانُ جِنْسِهِ بِقَوْلِهِ: ذَهَبٌ، وَمِقْدَارِهِ بِقَوْلِهِ: كَذَا مَبْلَغًا، وَلَا يَلْزَمُ بَيَانُ الْأَجَلِ فَإِذَا بَيَّنَ الْأَجَلَ لَزِمَهُ (الْبَزَّازِيَّةُ) ، وَلَا يَلْزَمُ بَيَانُ وَصْفِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ بِهِ تُغْنِي عَنْ الْبَيَانِ وَالْوَصْفِ وَيُصْرَفُ إلَى النَّقْدِ.
يَعْنِي إذَا عَقَدَ الصُّلْحَ بِدُونِ وَصْفِ الْبَدَلِ أَيْ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ نَوْعَ الذَّهَبِ بَلْ عَيَّنَ الْبَدَلَ بِكَذَا ذَهَبًا يُصْرَفُ إلَى الذَّهَبِ الْمُتَدَاوَلِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَالْحُكْمُ فِي الْفِضَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
أَمَّا إذَا كَانَ مُتَدَاوَلًا فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ ذَهَبٌ مُتَنَوِّعٌ يُصْرَفُ إلَى الذَّهَبِ الْأَكْثَرِ رَوَاجًا فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
أَمَّا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِلْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ تَسْقُطُ الْمَجْهُولِيَّةُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُضِرًّا (أَبُو السُّعُودِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ بَدَلُ الصُّلْحِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَا يَحْتَاجُ الْحَمْلَ وَالْمَئُونَةَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُ بَيَانُ مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَكُونُ أَعْلَى أَوْ أَدْنَى، أَوْ وَسَطًا فَلِذَلِكَ يَقْتَضِي بَيَانَهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ - يَكُونُ بَدَلُ الصُّلْحِ مَكِيلًا، أَوْ مُوزِرنَا مُحْتَاجًا لِلْحَمْلِ وَالْمَئُونَةِ فَيَلْزَمُ بَيَانُ مِقْدَارِهِ