إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: نِصْفُ الدَّارِ لِي وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ لِمَنْ، أَوْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ: نِصْفُ الدَّارِ لِي وَسَكَتَ عَنْ بَيَانِ الْبَاقِي، وَاسْتُحِقَّ نِصْفُ الدَّارِ الشَّائِعُ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ، وَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْ الدَّارِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: إنَّ نِصْفَ الدَّارِ لِي، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِشَخْصٍ آخَرَ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: النِّصْفُ الْآخَرُ لِفُلَانٍ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا فِي يَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: النِّصْفُ لِي وَسَكَتَ.
أَمَّا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّارِ، وَعَقَدَ الصُّلْحَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاسْتُحِقَّ النِّصْفُ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِجَمِيعِ الْبَدَلِ.
أَمَّا لَوْ اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ الْآخَرُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الدَّارِ الشَّائِعُ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِنِصْفِ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ (الْخَانِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: لَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرْصَةً وَبَعْدَ أَنْ أَنْشَأَ الْمُدَّعِي فِيهَا أَبْنِيَةً ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ لَهَا، وَادَّعَى بِأَنَّ الْعَرْصَةَ الْمَذْكُورَةَ مِلْكُهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً، وَأَثْبُت دَعْوَاهُ أَوْ أَنْ كَلَّفَ الْمُدَّعِي الَّذِي قَبَضَ تِلْكَ الْعَرْصَةَ بَدَلَ صُلْحٍ بِحَلِفِ الْيَمِينِ فَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ فَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْعَرْصَةَ مِنْهُ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيمَةَ بِنَائِهِ لِتَحَقُّقِ التَّقْرِيرِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٦٥٧) .
مَثَلًا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ دَارًا فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ لِلْمُدَّعِي، وَتَصَالَحَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا دَرَاهِمَ، أَوْ حَانُوتًا فَيَكُونُ كَأَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَ تِلْكَ الدَّارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَاعَ ذَلِكَ الْحَانُوتَ لِلْمُدَّعِي، وَتَجْرِي فِي هَذَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَخِيَارِ الْغُرُورِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ كِلَا الْمُصَالَحِ عَنْهُ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عِوَضٌ لِلْآخَرِ فَأَيُّهُمَا اُسْتُحِقَّ يَتَحَقَّقُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ ثَبَتَ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْكُلِّ، وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ ثَبَتَ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْبَعْضِ إذْ إنَّ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (الدُّرَرُ) .
قَدْ ذَكَرَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ (٦١٦ و ٦٣٨) .
وَدَعْوَى الْمَالِ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ تَشْمَلُ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَحَيْثُ إنَّ الصُّلْحَ فِي ذَلِكَ يَحْتَاجُ لِلتَّفْصِيلِ فَيُفَصَّلُ كَمَا يَأْتِي: إنَّ صُلْحَ الْمُسْتَوْدَعِ يَكُونُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا كَأَنْ تَكُونَ عِشْرِينَ رِيَالًا فَيَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى عَشَرَةِ رِيَالَاتٍ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ فِي هَذَا الصُّلْحِ مُنْكِرًا لِلْوَدِيعَةِ جَازَ الصُّلْحُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يُبْنَى جَوَازُهُ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي، وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْجُحُودِ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَهُ، وَلَا يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ دِيَانَةً لِأَنَّ فِيهِ فَضْلًا وَأَصْبَحَ رِبًا.
وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ مُقِرًّا، أَوْ كَانَ مُنْكِرًا، فَأَقَامَ الْمُودِعُ الْبَيِّنَةَ فَالصُّلْحُ غَيْرُ جَائِزٍ.
أَمَّا إذَا لَمْ يُقِمْ