الْمُودِعُ الْبَيِّنَةَ فَجَائِزٌ لِأَنَّهُ قَطْعُ خُصُومَةٍ.
أَمَّا إذَا تُصُولِحَ عَلَى عِشْرِينَ رِيَالًا بِعَرَضٍ كَالثَّوْبِ مَثَلًا.
فَهَذَا الصُّلْحُ جَائِزٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَحْصُلَ الصُّلْحُ عَنْ وَدِيعَةِ عِشْرِينَ رِيَالًا بِثَلَاثَةِ أَوْ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَإِذَا وَقَعَ هَذَا الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ، وَقُبِضَ بَدَلُ الصُّلْحِ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ صَحَّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الرِّيَالَاتُ الْمُودَعَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ أَمْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً.
وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ يُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَتْ الرِّيَالَاتُ الْمُودَعَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ، وَجَدَّدَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ الصُّلْحِ قَبْضَهُ فِيهِ فِي تِلْكَ الْوَدِيعَةِ، وَقَبَضَ الْمُسْتَوْدَعُ أَيْضًا الدَّنَانِيرَ فِي الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ صَحَّ الصُّلْحُ أَمَّا إذَا لَمْ يُجَدِّدْ الْقَبْضَ، أَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ غَيْرَ حَاضِرَةٍ مَجْلِسَ الصُّلْحِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ بَيْنَ الْمُسْتَوْدَعِ وَالْمُودِعِ بَعْدَ أَنْ يَدَّعِي الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ، أَوْ أَنْ يَدَّعِيَ هَلَاكَهَا فَيَجُوزُ الصُّلْحُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ الْإِيدَاعَ وَالْإِتْلَافَ، وَادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ، أَوْ ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَوَّلًا الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ وَادَّعَى الْمُودِعُ الْإِتْلَافَ وَتَصَالَحَا بَعْدَ ذَلِكَ فَالصُّلْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمُودِعِ: رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ، وَلَا يُبْطِلُ هَذَا الثُّبُوتَ ادِّعَاءُ الْمَالِكِ الْإِتْلَافَ إلَّا أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الثَّانِي.
وَجَازَ صُلْحُ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُودِعِ بَعْد دَعْوَى الْهَلَاكِ، أَوْ الرَّدِّ.
أَمَّا إذَا حَصَلَ الصُّلْحُ بَعْدَ أَنْ ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ التَّلَفَ بِلَا تَعَدٍّ، أَوْ ادَّعَى الرَّدَّ وَبَعْدَ حَلِفِهِ الْيَمِينَ حَسَبَ الْمَادَّةِ (١٧٧٤) فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ رَهَنَ مَتَاعًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ الْمُرْتَهَنُ: هَلَكَ الرَّهْنُ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: لَمْ يَهْلِكْ، فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمُرْتَهَنُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَاقِي كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودِعِ إذَا ادَّعَى هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا فَتَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ كَانَ بَاطِلًا، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهَنُ رَدَّ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ ادَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاكَ فَلَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهَنُ، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَتَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ الصُّلْحُ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ الرَّدَّ، أَوْ الْهَلَاكَ وَسَكَتَ الْمُودِعُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَصَالَحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالصُّلْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَصَحِيحٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
مُسْتَثْنًى: يُسْتَثْنَى عَنْ حُكْمٍ بِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ إقْرَارٍ هُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَهِيَ: إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَبَعْدَ أَنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَالَحَ الْمُدَّعِي عَلَى فَرَسٍ ثُمَّ تَصَادَقَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الدَّيْنِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَزِمَ الْمُدَّعِي إعَادَةُ الْفَرَسِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَزِمَ أَنْ يُعِيدَ الدَّائِنُ الدَّيْنَ الَّذِي قَبَضَهُ إذَا تَصَادَقَ الدَّائِنُ، وَالْمَدِينُ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ