للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِمَالِ لِأَحَدٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: إنَّ الْمَالَ لَيْسَ لِفُلَانٍ بَلْ هُوَ لِفُلَانٍ الْآخَرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ.

إلَّا أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا سَلَّمَ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ يَضْمَنُ بَدَلَ ذَلِكَ الْمَالِ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي.

أَمَّا إذَا سَلَّمَهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الثَّانِي وَيَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الثَّالِثِ (الْبَحْرُ قُبَيْلَ الْعَارِيَّةِ وَنُقُولُ النَّتِيجَةِ) .

وَالْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ لِلْمَجْهُولِ.

وَهِيَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ: إنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَدِيعَةُ زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ: بَلْ وَدِيعَةُ عَمْرٍو فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَدِيعَةَ زَيْدٍ، وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ لَعَمْرٍو الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ صَحَّ لِلْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: لَا بَلْ وَدِيعَةُ عَمْرٍو إضْرَابٌ عَنْهُ وَرُجُوعٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا، وَقَدْ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ، وَيَضْمَنُهَا لَهُ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَالتَّكْمِلَةُ) .

النَّوْعُ الثَّانِي: جَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ وَسَيُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ (١٥٧٩) .

النَّوْعُ الثَّالِثُ: جَهَالَةُ الْمُقِرِّ، وَتُوَضَّحُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي (الْكِفَايَةُ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ مُتَعَيَّنًا فَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ رَجُلَانِ: إنَّ عَلَى أَحَدِنَا لِفُلَانٍ دَيْنًا، أَوْ قَالَا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ: إنَّ لَك عَلَى أَحَدِنَا كَذَا دَنَانِيرَ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي سَيُحْكَمُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي سَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ مَجْهُولٌ، وَصُدُورُ الْإِقْرَارِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُطَالَبَ وَالْمُقِرَّ هُوَ الْآخَرُ حَتَّى لَوْ سُئِلَ الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ دَيْنُكَ عِنْدَ فُلَانٍ فَأَجَابَ قَائِلًا: كَلًّا.

فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ الْآخَرَ (الزَّيْلَعِيّ وَالْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) فَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ وَلَوْ مَحْصُورِينَ، لِشَخْصٍ: لَكَ عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيّ عَلَيْهِ وَصُدُورُ الْإِقْرَارِ مِنْ أَحَدِهِمْ لَا يُعَيِّنُ أَنَّهُ هُوَ الْمُطَالَبُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ (التَّكْمِلَةُ) .

وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ الْجِدِّيَّةُ فَلِذَلِكَ فَالْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ بِطَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ غَيْرُ صَحِيحٍ.

مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: إنَّك مَدِينٌ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَأَجَابَهُ مُسْتَهْزِئًا (نَعَمْ) ، أَوْ قَالَ (كيسه بدوز وَقَبض كُنْ) يَعْنِي خِطْ كِيسَك وَاقْبِضْ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا.

كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَدِّ لِي الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ الَّتِي فِي ذِمَّتِك فَأَجَابَهُ الْآخَرُ مُسْتَهْزَأ سَتَأْخُذُهَا قَرِيبًا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ اسْتِهْزَاءً (نَعَمْ أَحْسَنْت) فَهُوَ إقْرَارٌ وَيُؤَاخَذُ بِهِ (صُرَّةُ الْفَتَاوَى فِي الْإِقْرَارِ) فَإِذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ بِأَنَّ إقْرَارَهُ اسْتِهْزَاءٌ، وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّهُ كَانَ جِدًّا وَاخْتَلَفَا فَلَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ بِادِّعَاءِ الِاسْتِهْزَاءِ بِلَا بَيِّنَةٍ أَيْ أَنَّ مُجَرَّدَ ادِّعَاءِ الِاسْتِهْزَاءِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَقَرِينَةُ هَزِّ الرَّأْسِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ.

فَإِذَا عَجَزَ الْمُقِرُّ عَنْ إثْبَاتِ الِاسْتِهْزَاءِ فَيُصَدَّقُ الْمُقَرُّ لَهُ بِحَلِفِ الْيَمِينِ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْإِقْرَارِ اسْتِهْزَاءً.

<<  <  ج: ص:  >  >>