بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْأَرْضُ فَكَانَ مُتَنَاوِلًا لَفْظَ الدَّارِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ إخْرَاجٌ لِمَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْبِنَاءِ جُزْءًا مِنْ مُسَمَّى الْبَيْتِ مَعَ أَنَّهُ وَصْفٌ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْوَصْفَ مُنْفَرِدًا بَلْ قَائِلًا بِالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْأَرْضُ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى صُورَةً وَمَعْنًى، أَوْ مَعْنًى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَيْ مِنْهُ فَلِذَلِكَ كَمَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ جِنْسٍ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ مِنْ بَعْضِهِ يَجُوزُ أَيْضًا اسْتِثْنَاءُ جِنْسٍ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ مِنْ جِنْسِ مُقَدَّرَاتٍ أُخْرَى.
فَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: (لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ كُرٍّ حِنْطَةً إلَّا كُرَّيْنِ) كَانَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ.
كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا، أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا، وَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ الْمُسْتَثْنَى قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْكَيْلِيَّ وَالْآخَرَيْنِ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَثْبُتُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الذِّمَّةِ.
فَعَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ فِي حُكْمِ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَعْنًى فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي مَعْنًى لَا صُورَةً كَأَنَّهُ قَالَ: ثَبَتَ لَكَ فِي ذِمَّتِي كَذَا إلَّا كَذَا أَيْ إلَّا قِيمَةَ كَذَا، وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعْنًى فَقَطْ، فَإِذَا اسْتَغْرَقَ الْمُسْتَثْنَى جَمِيعَ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِغْرَاقَ قَدْ وَقَعَ اسْتِغْرَاقًا غَيْرَ مُسَاوٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَيْ مِنْهُ وَلَوْ مَعْنًى فَالِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلِذَلِكَ فَاسْتِثْنَاءُ غَيْرِ الْمُقَدَّرَاتِ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ لَيْسَ صَحِيحًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا.
مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: (عَلَيَّ أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا) فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ صَحِيحٍ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا.
لَكِنْ حَيْثُ لَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَكِنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ.
مَسَائِلُ الِاسْتِثْنَاءِ: إذَا اسْتَثْنَى الْمُقِرُّ بَعْضَ الْمُقَرِّ بِهِ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ، وَيَلْزَمُ الْبَاقِيَ الْمُقِرُّ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ.
مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: هَذِهِ الْفَرَسُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهَا، أَوْ ثُلُثَيْهَا فَصَحِيحٌ، وَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَكُونُ ثُلُثَا الْفَرَسِ لِلْمُقِرِّ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ ثُلُثُهَا لَهُ.
يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ أَكْثَرَ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَعَلَيْهِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ التِّسْعِينَ مِنْ الْمِائَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَالِكٍ وَالْفَرَّاءِ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي.
فَلَوْ قَالَ أَحَدٌ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ سِتَّ طَلْقَاتٍ إلَّا أَرْبَعًا) فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ، وَتَقَعُ طَلْقَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ السِّتُّ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَنْ الثَّلَاثِ.
إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى عَدَدَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ شَكٍّ فَعَلَى رِوَايَةٍ يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مُسْتَثْنًى، وَعَلَى رِوَايَةٍ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ مَثَلًا، لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسِينَ فَعَلَى رِوَايَةٍ تُعَدُّ الْخَمْسُونَ مُسْتَثْنًى فَقَطْ وَيُلْزَمُ الْمُقِرُّ بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمِائَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَخُرُوجُ الْأَقَلِّ (الْخَمْسُونَ) مُتَيَقِّنُ.
وَعَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى تَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَيَقُولُ قَاضِي خَانْ عَنْ ذَلِكَ (إنَّ هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ) .